رأى خبراء عراقيون أن للحرب الدائرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ أكثر من شهر تداعيات سلبية على العراق، خاصة في الجانب الأمني في ظل مخاوف من انخراط قوى وفصائل عراقية بشكل كامل في الصراع على خلفية الدعم الأمريكي لإسرائيل. وأعلنت إسرائيل حالة الحرب لأول مرة منذ 50 عاما وأطلقت عملية عسكرية باسم "السيوف الحديدية" تضمنت غارات جوية عنيفة وقصفا مدفعيا ومعارك برية ضد حركة حماس بعدما شنت الأخيرة في السابع من أكتوبر الماضي هجوما غير مسبوق أسمته "طوفان الأقصى" على معسكرات وبلدات في جنوب إسرائيل. ومنذ بدء الحرب قتل حتى الآن 10818 فلسطينيا، بحسب وزارة الصحة في غزة، فيما أودى هجوم حماس بحياة أكثر من 1400 إسرائيلي، بحسب مصادر إسرائيلية. ويؤثر هذا الصراع الدائر بين حركة حماس وإسرائيل بشكل مباشر وبصورة أساسية على الوضع الأمني في العراق بسبب وجود قوى عراقية مؤثرة وفعالة ضمن ما يسمى بـ"محور المقاومة، الذي تقوده إيران" والمناهض لإسرائيل، بحسب خبير المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ناظم علي. وقال علي لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن هذه القوى العراقية تنقسم بين أحزاب مشاركة في السلطة وفصائل مسلحة ضمن تشكيلات الحشد الشعبي أو فصائل مستقلة. وحذر من "أن انخراط الفصائل العراقية التي تمتلك السلاح والمال وتتبع توجهات خارجية بالصراع لا يخدم المصلحة العراقية ويمكن أن يؤدي لانهيار أمنى لكثرة الفصائل واختلاف وجهات نظرها بالتعامل مع أحداث غزة". وأعرب عن خشيته من تدهور الوضع وتحوله إلى تصفية حسابات بين الخصوم أو إلى اقتتال طائفي وعرقي بعيدا عن ما يجري في الأراضي الفلسطينية، خاصة أن العراق مازال يعاني من الإرهاب. وشنت فصائل عراقية مسلحة أكثر من مرة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على قواعد عسكرية أمريكية في سوريا وأخرى عراقية تستضيف قوات أمريكية ودولية كمستشارين وخبراء، على خلفية القتال الدائر بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة ومحيطه منذ السابع من أكتوبر الماضي. وبعد أيام من هذه الهجمات، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأحد الماضي العراق، وبحث تطورات الوضع في قطاع غزة وضرورة عدم اتساع الصراع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني. وبعد مباحثاته مع السوداني، حذر بلينكن في تصريحات للصحفيين ما أسماها "الميليشيات الموالية لإيران من استغلال حرب غزة ومهاجمة المصالح الأمريكية". وشدد الوزير الأمريكي على ضرورة عدم توسع الصراع، قائلا "لا نريد أي مواجهة مع إيران لكن سنتخذ كل الإجراءات لحماية قواتنا ومواطنينا، نبذل جهودنا لضمان عدم توسع الصراع أبعد من غزة". لكن الموقف السياسي العراقي لوحظ به "إرباك وانقسام" في كيفية التعاطي مع الأحداث وإحداث توازن بين العلاقة مع واشنطن الداعم الرئيسي لإسرائيل والقوى العراقية التي تعتبر نفسها ضمن محور المقاومة، وفق علي. واستشهد في هذا السياق بموقف هادي العامري زعيم منظمة بدر والقيادي بالإطار التنسيقي الشيعي الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء العراقي، قائلا إن "تهديد العامري باستهداف المصالح الأمريكية إذا لم توقف واشنطن الدعم لإسرائيل رغم تعهد الحكومة العراقية بحمايتها يعكس صورة الانقسام بين أطراف الحكومة". وكان العامري قد قال خلال تجمع عشائري في بغداد مساء الاثنين الماضي إن "موقفنا واضح، وعلى الأمريكان أن يفهموا بوضوح إذا تدخلوا نتدخل.. إذا تدخلت أمريكا في هذه المعركة فكل الأهداف الأمريكية سنعتبرها حلالا ونستهدفها ولا نتردد في الاستهداف، عليهم أن يوقفوا الدعم" لإسرائيل. وتوقع علي انهيار المشهد السياسي في حال انخرطت الفصائل العراقية بشكل كامل مع محور المقاومة ودخلت طرفا في الصراع. على الصعيد الاقتصادي، قال خبير المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية إن "الصراع سينعكس بشكل سلبي على العراق، خصوصا وأن أموال نفطه المصدر الرئيسي للعملة الصعبة تذهب للبنوك الأمريكية، وهي من تتحكم بها، ما قد يشكل خطرا إذا شعرت واشنطن بأن أفعال الفصائل العراقية تضر بأمنها القومي". وتفرض واشنطن قيودا وحصانة على أرصدة العراق منذ غزوه للكويت، بما فيها مبيعات النفط الشهرية، إذ تودع تلك الأموال في البنك الفيدرالي الأمريكي الذي يقوم بتحويلها للبنك المركزي العراقي. وأيد أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية محمد الجبوري القول بأن الصراع بين حماس وإسرائيل له تداعيات سلبية على الوضع العراقي، قائلا إنه "ألقى بظلاله على الوضع بالمنطقة والعراق". وتابع أن "موقف العراق محرج بسبب هجمات الفصائل المسلحة" على القواعد الأمريكية، معتبرا أن ذلك "يهدد الوضع الأمني، خصوصا أن الإدارة الأمريكية طالبت الحكومة العراقية بتوفير الحماية لأفرادها، والأخيرة تعهدت بذلك". لكن الواقع يشير إلى أن هذه الفصائل لم تلتزم بتعهد الحكومة، وهذا قد يدفع القوات الأمريكية إلى الرد على الضربات، ما يؤدي إلى زعزعة الوضع الأمني بالعراق، على حد قول الجبوري. وحذر من أن استمرار الهجمات أيضا "قد يدفع واشنطن إلى اتخاذ قرار بمنع وصول الدولار للعراق، ما يؤدي لأزمة اقتصادية" في البلاد، مضيفا "أن واشنطن تستعمل الدولار كوسيلة ضغط على الحكومة العراقية". وخلص الجبوري إلى أن ذلك في حال حدث "سيؤزم العلاقة بين بغداد وواشنطن وسيعقد العملية السياسية، التي تعاني أصلا من خلافات بين الكتل والأحزاب العراقية". لكن ثمة من يرى أن العراق رسميا لن ينخرط بأي صراع سواء الفلسطيني الإسرائيلي أو غيره في المنطقة. وقال الصحفي والمراقب السياسي هاشم الشماع إن العراق ومنذ العام 2004 خط على نفسه الحياد نظرا لما شهده من أزمات كبرى بالداخل كانت من الممكن أن تؤدي إلى حرقه. وتابع الشماع أن "العراق الآن يطور بناء نفسه من الداخل ولا يمكن له الدخول بصراعات إقليمية تؤثر على خطه الحيادي وعلى علاقاته الإقليمية والدولية، وهذا لا يعني ألا يكون له موقف مما يجري حوله لاسيما وأنه دولة مهمة ومحورية بالمنطقة". وأعرب عن اعتقاده بأن العراق لن يتأثر بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذا بقى على وضعه الحالي لأن جميع دول المنطقة لا تريد أن تدخل في حرب أو صراع مع إسرائيل. وأضاف "أن الدخول بهذه الحرب سيكلف العراق الكثير، ولا أعتقد أن العراق الرسمي غائبة عنه هذه النتيجة، كما أن العراق جزء من المنظومة الإقليمية وسيتأثر في حال نشوب حرب مفتوحة، ولهذا يسعى مع جميع الدول لعدم نشوب الحرب". واختتم الشماع حديثه قائلا إن "العراق سيكتفي بالمواقف السلمية وتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني وسيتضامن مع أهل غزة فيما يواجهون من عدوان". وكان ائتلاف إدارة الدولة الذي شكل الحكومة العراقية الحالية قد أكد أول أمس أهمية الاستمرار والحفاظ على زخم الدعم العراقي للشعب الفلسطيني، خصوصا الأدوية والغذاء والوقود، دون الانزلاق إلى قرارات غير محسوبة العواقب، مشددا على وحدة الصف العراقي بمواجهة التحديات. وأرسل العراق ثلاث دفعات من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتبرع بعشرة ملايين لتر من الوقود لمستشفيات القطاع المحاصر.
مشاركة :