في بلد آخر غير المملكة، وفي قضية بمثل خطورة قضية خلية الـ 32 التجسسية، لا بد وأن تنعقد لها المحاكم العسكرية؛ على اعتبار أنها قضية أمن دولة، أو يتم تخصيص محاكم خاصة لها على الأقل ضمانا لتسريع إجراءاتها ومرافعاتها، أما في المملكة التي لا تحتكم إلا لما شرعه الله في كافة القضايا، فإن هذه الخلية التي اكتظت لوائح الاتهام ضدها بالكثير من المعطيات والثبوتيات، فإنها رغم حساسيتها، ومساسها المباشر بالأمن الوطني، والنسيج الاجتماعي، ورغم كل ما فيها من مقومات الفتنة الكبرى، إلا أنها تخضع للمحاكمة أمام المحكمة الجزائية شأنها في ذلك شأن كل القضايا التي حدد النظام القضائي صلاحيتها للنظر فيها، ورغم بدء المرافعات في هذه القضية الخطيرة منذ أواخر فبراير من العام الجاري، وهي القضية التي ستفضي في حال إدانة المتهمين أو بعضهم إلى جرم الخيانة العظمى، خصوصا وأن الادعاء العام يسوق المزيد من الأدلة على عملها لصالح المخابرات الإيرانية، وتقديم معلومات في غاية السرية والخطورة في المجال العسكري، وإفشاء بعض الأسرار العسكرية، والسعي لارتكاب أعمال تخريبية ضد المصالح والمنشآت الاقتصادية والحيوية في البلاد، والإخلال بالأمن الوطني، وتفكيك وحدة المجتمع، وإشاعة الفوضى، والتقاء بعض عناصرها لهذه الغاية مع مرشد الثورة في طهران، وإرسال التقارير المشفرة للمخابرات الإيرانية. رغم كل ذلك إلا أن المحكمة لا تزال توفر للمتهمين كل المساحة لتقديم دفوعاتهم مع محاميهم، إلا أن الملاحظ في هذه القضية الخطيرة هو لجوء المتهمين ومحاميهم إلى أسلوب المناورة، ومحاولة تمطيط الوقت بغياب محاميهم، والتأخر في إعداد الردود حول التهم المنسوبة إليهم بذرائع وأعذار واهية كالادعاء بعدم وجود قلم، أو الاختبارات أو تزامن موعد المحكمة مع خلوة بعضهم الشرعية، أو الحضور دون إعداد الردود المطلوبة، مما يشي بأن هنالك لعبة مخابراتية تملى على بعض المتهمين، بغية إطالة أمد المحاكمة، ومحاولة استنفاد صبرها، وبالتالي تقديم رسالة من خلال تأخر المحكمة في إصدار الأحكام بأن مردّ ذلك التأخير إنما يعود إلى ضعف الأدلة او الشك فيها، وهي لعبة مكشوفة تماما لا يمكن أن تصمد أمام قوة الحقائق، والشواهد والأدلة الدامغة، لكن القضاء الذي يتكئ على عدالة السماء، ويستمد هدوءه من تلك العدالة سيكون أطول بالا من تلك الألاعيب المريبة، التي تتكرر مع معظم المتهمين ومحاميهم، مما يؤكد أن المصدر الذي يرتبها واحد، وهذا في الإجمال دليل ضمني على انغماس هذه الخلية ككتلة واحدة، وبأدوار متعددة، في مخططها القذر، الذي استهدف الوطن أمنا واقتصادا ونسيجا اجتماعيا. بقي أن نقول: إن القضاء الذي يستطيع التعامل بمثل هذه السماحة مع كل هذه الحيل الباهتة، ويخلق المساحات تلو المساحات أمام المتهمين لتقديم ردودهم بمنتهى الأريحية، لا يمكن إلا أن يكون عادلا ومستقلا ومنصفا، بحيث لم يذعن لتلك الاستفزازات التي تجعل المتهمين يتجاهلون مواعيد محاكماتهم، ويأتون إليها بمثل تلك الذرائع التي لا تنم إلا عن التورط، وفقدان الدفوع المقنعة.
مشاركة :