غزة بين بكين وواشنطن: لا الشرق شرق تماماً ولا الغرب غرب في المطلق

  • 11/17/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن إثر لقائه نظيره الصيني شي جينبينغ على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ المنعقد يوم الثلاثاء 14 نوفمبر 2023 أن الولايات المتحدة تريد تحسين العلاقات الثنائية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، كما تتطلع إلى مسار طبيعي للتواصل بينهما. وهذا ما يمكن اعتباره إعلاناً عن حسن النوايا، في إطار مقاربة جديدة تقطع كليا مع حقبة ترامب التي تميزت بالمواجهة المباشرة على المستوى التجاري بين القطبين. فإدارة جو بايدن تعي بالتأكيد أن الصراع بين الصين وأميركا صراع على الهامش، وهو نزاع على الحدود الفعلية لكلتا القوتين بعيدا عن حدودهما الرسمية. ويمكن الحديث هنا عن مدارات لثنائية "الصين ـ أميركا"، مدار شمالي عنوانه التكامل الاقتصادي الذي لا يستبعد المنافسة التجارية، ومدار جنوبي سمته الخلاف السياسي والتنافس على الاستئثار بالنفوذ. هو إذن التحام في الشمال واشتباك في الجنوب، وهذا في جوهره ليس إلا اتفاقا حول الرؤية وخلافا حول الأفق. بناء على ذلك، يأتي هذا الإعلان في سياق دولي يشهد فيه العالم على استفراد اسرائيل بالمدنيين العزل على الأراضي الفلسطينية ويرى جليا كيف أن ما يقع في غزة يتأرجح بعنفه وهمجيته بين جريمة الحرب والإبادة الجماعية. ولعل هذا ما يبرر موقف الصين اتجاه العدوان الاسرائيلي رغم التنديد بالعقاب الجماعي المفروض على ساكنة غزة. فما يستشف من الخطاب الرسمي في بكين، وعلى الرغم من التنديد بالعقاب الجماعي المفروض على ساكنة غزة، يظل بعيدا عن اتخاذ المواقف وإلا فهو إلى الحياد أقرب منه إلى التحيز. حياد يفرضه التورط الصارخ لواشنطن في العدوان الإسرائيلي وهو الحياد الذي يندرج في إطار الحفاظ على التوازن الجيوستراتيجي بين القطبين الأميركي والصيني. كما أن بكين حريصة على تحقيق طموحها الإقليمي من خلال التوغل في اقتصادات الشرق الأوسط كمجال للنزاع على الحدود الفعلية للقطبين. ونخص بالذكر هنا إسرائيل نظرا لحجم المبادلات التجارية والمعاملات المالية التي تجمعها بالصين والتي عرفت زيادة ملحوظة خلال الأعوام الماضية، مما يفسر تدخل واشنطن المستمر لقرصنة قنوات التعاون مع الصين ولو على حساب مصالح إسرائيل، من خلال الضغط نحو رفض العروض المقدمة من طرف المقاولات الصينية وتقويض عملها، ناهيك عن استبعاد مشاركتها في المجالات التي فقدت فيها المقاولات الأميركية ميزتها التنافسية. لذا فحتى وإن كانت واشنطن مستعدة لوأد ضميرها الإنساني أمام محرقة غزة، فلا يمكن اختزال هذا التواطؤ في سردية الدعم والتعاطف، لأنها تتعامل مع إسرائيل بمنطق الهيمنة لا الشراكة، في إخلاص تام لنهجها الحمائي. كما لا يمكن تبرير رمادية موقف الصين من خلال نوايا التقارب مع الجانب الأميركي فحسب، بل وأيضاً بالثقل الاقتصادي الذي تتمتع به اسرائيل لدى الجانبين، كساحة تعارك حول السيادة ببعديها السياسي والتجاري. هو ذا إذن عالمنا وتلك مواقفه، رمادية كما كيد لها وبين البينين. لا الشرق شرق تماماً ولا الغرب غرب في المطلق، وفي القدر الفارق بينهما قدر الاثنين.

مشاركة :