جون ضاحي: الشرق شرق والغرب غرب والترجمة تبني الجسور بقلم: عبدالله مكسور

  • 12/5/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أستاذة اللغة العربية في جامعة كوبنهاغن، البروفيسورة جون ضاحي، التي تعيش تفاصيل يومها بتراكم الإنجاز الذي تصنعه في ساعاتها، حوار حول الحياة والعمل والترجمة والهوية الثقافية، حيث استضافتنا في بيتها السوري الدمشقي في ريف العاصمة الدنماركية.العرب عبدالله مكسور [نُشر في 2017/12/05، العدد: 10833، ص(15)]رسائل جدي السوري مشروع كتاب قادم كوبنهاغن - بدأت القصة بلقاء أدبي في جامعة كوبنهاغن منذ عام، وكنت قبل ذلك بقليل أبحث عن مستشرقين أومستعربين لغاية بحثية قبل أن تقودني الأقدار مرة أخرى إلى الدنمارك منذ أيام، فبدأت مرة أخرى حكاية التعرف على جون ضاحي أستاذة اللغة العربية في جامعة كوبنهاغن حيث رافقتها ليوم كامل، فدخلت عوالم هذه الشخصية التي يُجمِعُ العربُ والدنماركيون في كوبنهاغن، على أنها فريدة في الرغبة بالإنجاز. عواطف سهيل ضاحي أو جون سهيل ضاحي، العربية الدنماركية والدنماركية العربية، لا تضع نفسها في أي انتماء ضيق، إنها ليست أستاذة فقط في الأدب العربي هناك، بل هي مرجع للكثير من القضايا التي تخص المجتمع أو الجهات الثقافية التي تعمل على ملف اللاجئين أو المقيمين من العرب. البعد العربي من هذه النقطة يمكن فهم طبيعة الحياة التي تمارسها جون ضاحي، فبيتها الواسع يقع في منطقة ريفية رحبة، تبدأ ضيفتنا يومها فيه حيث تقوم برعاية بعض الحيوانات، لا بد من القول هنا إن طريقتها لا تشبه الطريقة الأوروبية في الاكتفاء برعاية القطط والكلاب، بل إن حديقتها تضم أبقارا إسكتلندية وأغناما أسترالية ودجاجات وديوكا، هذا الارتباط مع الريف تحمله جون في جيناتها الأولى من أجدادها السوريين الذين عاشوا في مدينة النبك السورية، بعد رحيلهم إليها من قرية الحفر قرب حمص وسط البلاد، والدها سهيل ضاحي كان في النبك مع مطلع خمسينات القرن الماضي، تلك السنوات قادت والدتها إنغا أيضا إلى النبك لتعمل كصيدلانية في المشفى الدنماركي، حين وقع السوري في غرام الدنماركية وأثمر هذا الزواج عن ثلاث بنات. كان قدر جون أن تعيش في سوريا وهي في رحم أمها قبل انتقال العائلة إلى كوبنهاغن مع مطلع عام 1959 قبل ولادة ضيفتنا بشهرين فقط، لكن خيالات دمشق البعيدة الآن ظلت ترافق تلك الطفلة من خلال الأحاديث التي كان يرويها والدها ووالدتها، أو من خلال الرسائل الورقية التي أرسلها جدها في ما بعد، تصف تلك الأوقات التي كانت تصل فيها الرسالة بأنها احتفالية عارمة، حيث يجمع الأب الأطفال ويبدأ بدنماركية بسيطة ترجمة كلماتها كلمة كلمة من العربية إلى الدنماركية، تلك الطفولة أيضا زرعت تساؤلات في نفس جون، أبرزها من أنا؟ وماذا أكون؟الترجمة إلى الدنماركية تواجه إسهابات يضعها المؤلف العربي نظرا إلى غياب مهنة المحرر الأدبي عند دور النشر العربية بدا الاختلاف واضحا في بدايات الأشياء مع المجتمع المحيط، لا أتحدث هنا عن عادات أوتقاليد بل إن الأمر يتصل بفلسطين والحق في مقاومة المحتل، فحين كان الفلسطيني يوصف بالإرهاب أينما حل، كانت جون تخوض جولات نقاشية مع محيطها حول ما يحدث في فلسطين ومدنها، وربما هذا الهوى الفلسطيني هو الذي قادها إلى الزواج من شاب فلسطيني لتنجب منه ثلاثة أطفال هم عادل وجميل وسهيل، وجميعهم يتحدثون العربية أيضا، الأقدار ذاتها قادت جون في رحلة البحث الأكاديمي وإنجاز رسالة الدكتوراه حول أفعال المؤرخين الذين سجلوا فترة احتلال بغداد من قبل المغول، فاستقرت فترة في سوريا والأردن وغيرهما من بلدان الشرق، فالرغبة في فهم نفسية الوالد هي التي دفعت جون إلى دراسة اللغة العربية في جامعة كوبنهاغن بعد أن تعذر عليها دراسة علم الاجتماع في الجامعة ذاتها التي تحتفل اليوم بالذكرى الخمسمئة لتأسيس كرسي اللغة العربية فيها. تتوقف جون عن الحديث لتتناول رسائل جدها التي وصلت منذ أكثر من خمسين عاما، “إنه مشروع كتاب جديد”، تقول ضيفتنا وتشير إلى أوراق التلغراف التي تحملها، تلك التي تتضمن الأشواق وأخبار العلاقات الاجتماعية. جون التي درست اللغات السامية الشرقية وتقرأ اليونانية واللاتينية إلى جانب الإنكليزية والدنماركية، تعترف بأن العربية كانت مدخلا مهما لفهم الهوية التي حملها والدها، تصفها بأنها ارتكاز حي لفهم منطقة الشرق الأوسط والقضايا الشائكة التي يحملها. الهوية الثقافية نتطرق مع ضيفتنا إلى الحديث عن الاستشراق والاستغراب، لتقر أنه اليوم رغم وجود قطبي الشرق والغرب إلا أن حالة العولمة والانفتاح الكلي بين الجميع على الجميع جعلَت النظرة المسبقة خاضعة للكثير من التفاصيل التي تتصل بالتجربة الشخصية الذاتية بالدرجة الأولى، “نعم الشرق شرق والغرب غرب” تتابع جون لكن بحسب رؤيتها التي لا تعممها أبدا، ثمة جسور تواصل مبنية على محاولة فهم كل طرف للآخر، هكذا وبإخلاص شديد للنص العربي الذي تنقله إلى الدنماركية تقول ضيفتنا إن عملية النقل والترجمة عندها مبنية بالدرجة الأولى على تردد النص في عوالمها الشخصية، أن يتردد صداه العربي في نفسها، لهذا نقلت بعض روايات نجيب محفوظ وواسيني الأعرج وسمر يزبك وأشعار محمود درويش إلى الدنماركية، فالسُكنى في النص الأصلي تعني الإخلاص له وإعادة إنتاجه باحترام تام لمقولاته.الهوية الأدبية تنطلق من المحلية إلى العالمية، فالمحلية هي الأساس في بناء شخصيات أي عمل أدبي تقول جون إن الترجمة إلى الدنماركية تواجه إسهابات كثيرة يضعها المؤلف العربي للنص الأدبي، إسهابات هدفها الإطالة فقط دون الحاجة إليها في النص، ترجع ذلك إلى عدم اعتماد بعض دور النشر العربية على وجود محرر أدبي للعمل المراد إصداره. نسألها هنا عن ترجمة الأحداث التاريخية أو الأمثال أو ذكر الشخصيات التي تحمل ماضياً أو معاني عديدة في الذهنية العربية ضمن نص أدبي ما، لتقول إنها تلجأ إلى الهوامش في بعض الأحيان، تذكر هنا مثالا عن رواية “البيت الأندلسي” لواسيني الأعرج، حيث قامت ضاحي كمترجمة للنص بإضافة الكثير من الحواشي والهوامش لأن الكلمات المذكورة في الأصل العربي تحمل أحداثا جوهرية في بنية الحكاية. هذا الحديث يقودنا إلى ذهنية التلقي بين العربي والدنماركي للنص، لتقول إن العمل الأدبي بمجرد ظهوره إلى النور يخرج من يد الكاتب أو المترجم، ليكون في سياقه المنطقي والطبيعي عند المتلقي الذي يسحب هذا العمل على نفسه وبيئته ومحيطه وثقافته، القارئ هو الذي يفسر العمل لأنه يرى الحدث والحكاية من زاوية ثقافته ومعرفته، تذكر هنا ضيفتنا قصيدة محمود درويش “أحن إلى خبز أمي”، تقول إن تلقي هذه القصيدة مثلا خاضع للعلاقة بين الولد وأمه في المجتمع، المتلقي الدنماركي لا يصل إلى مرحلة إعلاء الأم أو تقديسها كالمتلقي العربي، لذلك فإن هذه القصيدة لا تحمل في نصها المترجم القيمة ذاتها التي يحملها النص العربي عند المتلقي العربي. الهوية الأدبية عند ضاحي تنطلق من المحلية إلى العالمية، فالمحلية هي الأساس في بناء شخصيات أي عمل أدبي، لهذا ضيفتنا تؤكد أنها ضد أن تُكتب رواية أو قصيدة وفق قالب مُسبق بحسب الطلب، فالأدب كما تراه أستاذة اللغة العربية يحمل شعور الإنسان وينقله، هو الذي يعبر عن المأساة والمعاناة، فحتى نتعرف على الإنسان من أي جنسية كان يجب أن نذهب إلى الأدب الذي صدر عن مجتمعه كي نعرفه ونفهمه أكثر. إيمانها بالثقافة العربية دفعها، إلى جانب آخرين، إلى تأسيس المعهد الثقافي السوري الدنماركي، الذي ينظم بشكل دوري فعاليات ثقافية ومؤتمرات بحثية تعالج قضايا الساعة، كما انبثق عن المعهد الثقافي السوري الدنماركي، المقهى الثقافي السوري بالعاصمة كوبنهاغن الذي يعمل على تنظيم فعاليات ثقافية وعروض أفلام سينمائية أسبوعية.

مشاركة :