سيتعين على واضعي السياسات توخي اليقظة والحذر والانتباه لكل المتغيرات، وإذا حدث تصعيد في الصراعات الجيوسياسية، فسيواجه الاقتصاد العالمي صدمة مزدوجة في مجال الطاقة للمرة الأولى منذ عقود، ليس فقط من الحرب في أوكرانيا، ولكن أيضا من الشرق الأوسط. وإن استمرار الارتفاع في أسعار النفط يعني حتما ارتفاع أسعار الغذاء، وإذا حدثت صدمة شديدة في أسعار النفط، فستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في أسعار المواد الغذائية وهي بالفعل مرتفعة في عديد من الدول النامية، في نهاية 2022، كان أكثر من 700 مليون شخص ـ أي ما يقرب من 10 في المائة من سكان العالم ـ يعانون نقص التغذية، وتصعيد هذا الصراع سيزيد انعدام الأمن الغذائي، ليس في المنطقة فحسب، ولكن أيضا في جميع أنحاء العالم. الآثار الطفيفة لهذا الصراع حتى الآن في أسعار السلع الأولية قد توضح التحسن في قدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب صدمات أسعار النفط. يقول التقرير الصادر من البنك الدولي إن الدول في جميع أنحاء العالم قامت بتعزيز استعداداتها لمواجهة مثل هذه الصدمات منذ أزمة الطاقة التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي. وقامت هذه الدول بتقليل اعتمادها على النفط، حيث انخفضت كمية النفط اللازمة لتوليد دولار واحد من إجمالي ناتجها المحلي لأكثر من النصف منذ 1970. كما أصبح لديها قاعدة أكثر تنوعا من مصدري النفط، فضلا عن زيادة موارد الطاقة، ولا سيما مصادر الطاقة المتجددة. كما لجأت بعض الدول إلى إنشاء احتياطيات نفطية استراتيجية، ووضع ترتيبات لتنسيق الإمدادات، فضلا عن تطوير أسواق العقود الآجلة للتخفيف من أثر نقص النفط في الأسعار. وتشير هذه التحسينات إلى أن تأثيرات تصاعد الصراع قد تكون أقل حدة من ذي قبل. ويقول التقرير، على واضعي السياسات أن يظلوا في حالة ترقب وحذر، فبعض السلع، خاصة الذهب تشير إلى توخي الحذر بشأن التوقعات، حيث ارتفعت أسعاره 8 في المائة منذ بداية الصراع. وأسعار الذهب لها علاقة فريدة بالمخاوف الجيوسياسية، حيث ترتفع في فترات الصراع وعدم اليقين، ما يشير في كثير من الأحيان إلى تراجع ثقة المستثمرين. إذا تصاعد الصراع السياسي على متسوى العالم، فعلى واضعي السياسات في الدول النامية اتخاذ الاحتياطات أو الخطوات اللازمة للتعامل مع الزيادة المحتملة في التضخم العام. ونظرا إلى أخطار تفاقم انعدام الأمن الغذائي، على الحكومات أن تتجنب القيود التجارية مثل فرض الحظر على تصدير المواد الغذائية والأسمدة. في الأغلب ما تقود هذه التدابير إلى تفاقم تقلبات الأسعار وزيادة انعدام الأمن الغذائي. كما يجب عليها أيضا عند التصدي لارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية أن تمتنع عن فرض ضوابط الأسعار أو دعمها. وهناك خيار أفضل يتمثل في قيام الحكومات بالارتقاء بمستوى شبكات الأمان الاجتماعي، وتنويع مصادر الغذاء، ورفع درجة الكفاءة في إنتاج المواد الغذائية وتجارتها. ويمكن لجميع الدول تعزيز أمن الطاقة على المدى الطويل بتسريع وتيرة التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة للتخفيف من الآثار المترتبة على صدمات أسعار النفط.
مشاركة :