يبدو أن عددا كبيرا للغاية من صناع السياسات يركزون على إعادة تنشيط محركات النمو غير الفـاعـلة بدرجة أكبر من تركيزهم على التصدي للتهديدات طويلة الأمد، مثل أزمة المناخ، والتحول نحو نماذج أكثر استدامة وتطلعا إلى المستقبل. يتجلى موضوع التصدي للتهديدات طويلة الأمد، مثل أزمة المناخ، والتحول نحو نماذج أكثر استدامة، بوضوح، في الصين وأوروبا وكثير من الدول النامية، حيث فشلت الحكومات في تنفيذ الإصلاحات البنيوية اللازمة لتعزيز الإنتاجية وإمكانات النمو. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة في وضع أفضل نسبيا بفضل مشاريع القوانين الاقتصادية الكبرى التي أقرتها إدارة الرئيس جو بايدن، فإن تضاؤل مدخرات الأسر، فضلا عن ارتفاع الديون، يلقي بظلال قاتمة على توقعات النمو للعام المقبل. لا يزال الاقتصاد العالمي يتصارع مع التأثيرات التي خلفتها الزيادات الكبيرة في تكاليف الإقراض. وفي بيئة حيث من المتوقع أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة مطولة، تصبح إعادة تمويل بعض عقود الديون -خاصة في قطاع العقارات التجارية- أمرا متزايد الصعوبة. الواقع أن التحول بعيدا عن عشرة أعوام من أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع، وعمليات ضخ السيولة السخية من قـبـل البنوك المركزية، عملية تدريجية وقد تكون مؤلمة لبعض الأطراف، خاصة مع اقترابنا من "جدار استحقاق السداد" الذي يواجه قطاع الشركات في 2025. تهدد هذه الشكوك بزعزعة استقرار سوق تتعامل في صميمها بالفعل مع تقلبات عالية إلى حد غير عادي. في غياب ركائز اقتصادية وسياسية وفنية قوية، ظلت عائدات سندات الخزانة الأمريكية شديدة التقلب. وكلما طال أمد هذه الحالة من عدم الاستقرار، ارتفعت احتمالات تسبب مخاطر أسعار الفائدة في إشعال شرارة الذعر فيما يرتبط بالائتمان والأسهم والسيولة. وقد تؤدي التحولات الجيوسياسية والمحلية أيضا، إلى تفاقم نقاط الضعف الاقتصادية والمالية والسوقية، مع تسبب الخسائر البشرية الهائلة والمروعة الناجمة عن الصراعات الجارية، خاصة في غزة، في تعظيم خطر التصعيد وتقويض الاستقرار العالمي. علاوة على ذلك، يهدد الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة إزاء الصراع الدائر في الشرق الأوسط بالتعجيل بتفتت النظام الاقتصادي الدولي، وتقليص مكانة أمريكا ونفوذها العالمي بدرجة أكبر. قد يـفضي هذا، جنبا إلى جنب مع الثقة المتنامية التي تكتسبها "الدول الـمـرجـحة" المتوسطة القوة، إلى إعاقة عملية تنسيق السياسات الدولية التي تشكل أهمية بالغة في التصدي للتحديات العالمية، مثل تغير المناخ، ونقص النمو، والديون المفرطة، واتساع فجوات التفاوت، ونقاط الضعف التي تعيب سلاسل العرض والتوريد، والحاجة إلى إزالة المخاطر عن علاقات اقتصادية بعينها دون التسبب في إحداث انفصال مؤلم. وقد تفرض الانتخابات في دول مستقطبة، مثل الولايات المتحدة، عقبات تحول دون التحرك العالمي في الوقت المناسب. على الرغم من المشهد السياسي والجيوسياسي الأكثر صعوبة من أغلب التوقعات، إلا أن الاقتصاد العالمي فاق التوقعات في 2023. لكن في حين قد يكون من الـمـغري الاستقراء من هذه التجربة، والتنبؤ بأداء أقوى في 2024، فمن الأهمية بمكان أن نتعامل مع مثل هذه التوقعات بجرعة صحية من الحذر. فمن المحتمل بدرجة كبيرة أن يطيش سهم التوقعات الـمـجـمـع عليها مرة أخرى، وقد تكون العواقب وخيمة جدا هذه المرة. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :