سجل قطاع غزة نزوحا قياسيا لنحو 80 في المائة من سكانه من دون أمتعة وهم يكافحون منذ أسابيع لتلبية احتياجاتهم الأساسية بما في ذلك اقتناء ملابس شتوية. وبينما جرت أكبر عمليات النزوح في النصف الأول من شهر أكتوبر حين كان الطقس معتدلًا فإن الغالبية العظمى من النازحين لا يجدون حاليا ملابس تقيهم البرد مع هطول الأمطار وحلول موسم الشتاء. وأصبح ما تبقي من أسواق شعبية لا سيما في جنوب قطاع غزة - الوجهة الرئيسية للنازحين- تشهد تزايدا في البسطات الشعبية لتبيع ملابس "البالة" المستخدمة والتي تحظى بإقبال الزبائن بسبب صعوبات اقتصادية. ويلجأ سكان غزة إلى الملابس المستخدمة نظرا لانخفاض ثمنها مقارنة مع سعر الجديدة منها والتي لم تتوفر بشكل كبير في المحلات التجارية نتيجة إغلاق إسرائيل المعابر منذ بدء حربها على القطاع في السابع من أكتوبر الماضي. وتجلس نهى سليم (49 عاما) أمام أكوام من الملابس المستخدمة في سوق دير البلح وسط القطاع لاختيار ما يناسبها لشرائه من أجل كسوة أطفالها لحماية أجسادهم في ظل الأجواء الباردة السائدة. وتقول نهى سليم بينما تنبش بيديها أكوام الملابس المعروضة على بسطة شعبية للعامة لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الملابس المستخدمة خيار العائلات في ظل شح الجديدة في الأسواق وارتفاع أسعارها. وتضيف نهى سليم وهي أم لخمسة أطفال ما بين 6 و14 عاما أن السكان في غزة "لا يتحملون أعباء إضافية من خلال شراء ملابس جديدة كون الأموال التي يملكونها حاليا تمثل أولوية لتوفير الطعام والشراب". وتوضح نهى التي يعمل زوجها موظفا حكوميا حصل على نصف راتبه مؤخرا أن "غلاء الملابس الشتوية الجديدة وشحها في الأسواق والأوضاع الاقتصادية الصعبة دفعت الناس بالتوجه للملابس المستخدمة". وصرفت الحكومة الفلسطينية الأسبوع الماضي سلفة من البنوك للموظفين والمتقاعدين بنسبة 50% لأول مرة منذ شهرين. وسبق أن أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها استقبال الحوالة الشهرية من أموال الضرائب المستحقة لها من إسرائيل جراء اقتطاع الأخيرة مبالغ توازي مدفوعات الحكومة الفلسطينية لقطاع غزة، ما تسبب بتأخير صرف رواتب الموظفين العموميين. وبحسب وزارة المالية الفلسطينية فإن إسرائيل اقتطعت 600 مليون شيقل وخصمتها من أموال الضرائب الشهرية، بدعوى أن جزءا من هذا المبلغ يشمل رواتب ومخصصات موظفين ومصاريف لقطاع غزة. وفي بسطة شعبية أخرى يقف الشاب محمد أبو جبر يقلب وعدد أخر حوله في أكوام الملابس قائلا لـ ((شينخوا)) إن هذه الملابس هي الحل الوحيد للسكان في القطاع نظرا لانخفاض سعرها. ويضيف أبو جبر الذي تمكن أخيرا من العثور على قميص وجاكيت لطفله البالغ 7 أعوام أن "البضائع الجديدة في الأسواق باهظة الثمن والوضع لا يسمح لنا بشرائها لوجود مستلزمات أساسية مثل الأكل والشرب". ويتابع أبو جبر (35 عاما) الذي يقطن في منزل في دير البلح ويعمل بنظام المياومة أن "سعر طقم الطفل في المحلات يصل إلى 20 دولارا أمريكيا ولكن على البسطات الشعبية يصل إلى 2 دولار فقط ما يدفع الناس للإقبال عليها نظرا لتردي أوضاعهم جراء الحرب". وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية دعا الأسبوع الماضي دول العالم للتعامل مع قطاع غزة الذي يقطه زهاء 2.3 مليون نسمة، على أنها "منطقة منكوبة" بفعل حرب إسرائيل المستمرة. ويقول رجب الطواشي (35 عاما) صاحب بسطة شعبية إن الملابس المستخدمة تلقى إقبالا كبيرا من كافة شرائح المجتمع وتلبي رغبات كافة الأعمار. ويضيف الطواشي بينما ينادي بأعلى صوته وسط السوق لجلب الزبائن أن "سعر أي قطعة أقل من دولار أمريكي واحد وهو معقول وفي متناول الجميع مقارنة مع أسعار الملابس الجديدة". ويتابع أن "تهافت الزبائن على الملابس المستخدمة يعود لتردي أوضاعهم الاقتصادية وشح الملابس الجديدة وارتفاع أسعارها بشكل كبير في الأسواق". وتوقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ارتفاع نسبة الفقر في القطاع إلى 90 في المائة بسبب الحرب الإسرائيلية. وقال محمد قلالوة مدير الإحصاءات في الجهاز في تصريحات صحفية إنه يتوقع ارتفاع نسبة الفقر في القطاع الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة إلى حوالي 90 في المائة وارتفاع البطالة لحوالي 65 في المائة. وأشار قلالوة إلى أن نسبة التضخم بلغت حوالي 12 في المائة على السلع والخدمات بسبب الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع. ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل حربا واسعة النطاق ضد حركة حماس في غزة تحت اسم "السيوف الحديدية" قتل خلالها أكثر من 15500 فلسطيني. وبدأت الحرب بعد أن شنت حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أسمته "طوفان الأقصى" على إسرائيل، أودى بحياة أكثر من 1200 إسرائيلي، وفق السلطات الإسرائيلية.
مشاركة :