وجد الإسرائيليون مسؤولين وإعلاميين في الهجمات التي تعرضت لها العاصمة البلجيكية بروكسل الاسبوع الماضي فرصة سانحة للتشفي من أوروبا التي أقرت مفوضيتها في نوفمبر الماضي، وفي بروكسل تحديداً وضع ملصقات لتمييز منتجات المستوطنات الإسرائيلية، وصعّدت خلال الأشهر الماضية من حدة انتقاداتها للتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، هذا عدا الاعترافات الرمزية لعدد غير قليل من برلمانات أوروبا بالدولة الفلسطينية. هجمات بروكسل شكلت فرصة أيضا للإسرائيليين للتأكيد على خطر "الإرهاب الإسلامي العالمي" وأن الهبّة الشعبية الفلسطينية التي يواجهونها حالياً ليست إلا جزءا من هذا "الإرهاب" في محاولة منهم لتبرير وحشية جنود الاحتلال في استهداف وإعدام كل من يشتبه بحمله سكينا أو حتى مقصاً ميدانياً لتخفيف الادانات الدولية لهذه التصرفات. ولم يفوت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المشاركة في حملة التشفي والشماته هذه، حيث وجدها فرصة للمتاجرة بأشلاء الضحايا الأوروبيين ودمائهم، وهدفه الأساسي ليس محاربة الإرهاب، بل محاولة لإقناع العالم باعتبار أي تحرك يقوم به الفلسطينيون ضد جرائم الاحتلال ومصادرته للأراضي وتهويد الأرض وتدنيس المقدسات، ضمن قائمة تصنيف الإرهاب. نوايا نتنياهو هذه جسدها خطابه غداة الهجمات في بروكسل، والذي حرص فيه على التأكيد على أن الاحتلال والإحباط واليأس – وهي المفردات التي يستخدمها الاوروبيون في انتقادهم لإسرائيل- ليست مبرراً لما يقوم به الفلسطينيون، زاعماً أنهم يستلهمون هجماتهم ضد الإسرائيليين من تنظيم داعش الذي يسعى لإقامة "الخلافة" في أوروبا، وهو ذات الأمل الذي يراود "الإرهابيين" الفلسطينيين الساعين لإقامة دولتهم على أنقاض إسرائيل. وزير المواصلات والمخابرات يسرائيل كاتس لم يتأخر هو الآخر من التصريح بشماتته تجاه البلجيكيين، حيث قال في حديث إذاعي ان على البلجيكيين أن يتوقفوا عن أكل الشوكولاتة والتظاهر بالديموقراطية والليبرالية غير المحدودة حتي يتمكنوا من محاربة إرهاب المسلمين –على حد قوله- . وانضم وزير العلوم والفضاء أوفير أكونيس من حزب الليكود اليميني الى زميله واتهم اوروبا بتجاهل الخطر الذي تشكله "الخلايا الارهابية الاسلامية" على اراضيها، مفضلة انتقاد اسرائيل بدلا من ذلك. وقال على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك "سأكرر: فضل الكثيرون في اوروبا ان يشغلوا انفسهم بحماقة ادانة اسرائيل، ووضع ملصقات على المنتجات والمقاطعة". واضاف اكونيس "في الوقت نفسه، وعلى مرأى ومسمع مواطني القارة، نمت الاف الخلايا الارهابية الاسلامية. وكان هناك من قمع وسخر من كل من حاول توجيه تحذيرات. واخرون قللوا من شأنها". أما المعلق المتطرف في صحيفة "إسرائيل اليوم" حاييم شاين فاستغل بدوره أحداث بروكسل للتشنيع على المسلمين والتأكيد على أن نزعتهم لإخضاع الحضارة الغربية هي الدافع لإرهابهم وليس اليأس أو خيبة الأمل. وشدد على أن السذج فقط هم من يلقيون مسؤولية الإرهاب على إسرائيل كونها "لا تتنازل عن أمنها لإرضاء الفلسطينيين". من جهته قال الخبير الأمني اليكس فيشمان في صحيفة يديعوت أحرونوت ان "الإرهاب الإسلامي" لن يتوقف عند بروكسل بل أهدافه التالية ستكون في بريطانيا وألمانيا، وهو الامر الذي اعتبره المحلل الإسرائيلي خطراً كبيراً على أوروبا، موكداً: "إذا واصلت أوروبا التصرف مع الإرهاب الداعشي وكأنه أحداث منفردة، وليس تهديدا استراتيجيا، فإنها ستخسر". وأوضح أن "الأوروبيين يرفضون الاعتراف بهذه الحقيقة، وهي أنهم هم الهدف. فهم موجودون في ذروة حرب معهم. وطالما لم يتحرروا من السياسة التي أملاها أوباما التي تقول: نحن لا نكافح الإرهاب الإسلامي بل عنف المتطرفين، فإنهم سيستمرون في دفن رؤوسهم في الرمال". الأكيد أن النماذج السابقة ليست الوحيدة، والأكيد أيضاً أن عدداً أكبر من المسؤولين والمعلقين في إسرائيل سيشارك في حملة الشماتة والتشفي بالأوروبيين انتقاماً من مواقفهم المناهضة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي، وستكون فزاعة "الإرهاب الإسلامي" أفضل شماعة لمتطرفي إسرائيل لتبرير جرائمهم ضد الفلسطينيين أمام العالم.
مشاركة :