عقدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء ندوة وطنية في مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية يوم الخميس 14 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تحت عنوان "الأدب الشخصي". وتولت الدكتورة لطيفة البصير، المتخصصة في الأدب الشخصي، قيادة الجلسة بحضور عدد من الأساتذة، بما في ذلك الدكتور رشيد الحضري، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، حيث قدم الدكتور الحضري إشادته بأهمية تنظيم هذه الندوات العلمية، مؤكدًا على دورها البارز في توسيع آفاق الباحثين. وفيما يلي حوار مع الأستاذة الجامعية والأديبة لطيفة البصير حول موضوع الأدب الشخصي، الذي تناول تفاصيل وجوانب مختلفة تتعلق بهذا الموضوع الفني والأدبي، إضافة إلى تسليط الضوء على رؤية القاصة لطيفة البصير في هذا السياق. كيف يمكن تعريف الأدب الشخصي من وجهة نظرك؟ وما الذي جعلك تختارين الأدب الشخصي كمجال للتخصص؟ الأدب الشخصي هو كل ما يكتب من سيرة ذاتية واعترافات ويوميات وسير روائية ومدونات شخصية إلى غيرها، وهو كل ما له علاقة بالذات الإنسانية، وهو يمكن أن يتراوح بين فصول خاصة من حياة شخص معين إلى سرد حياة بأكملها، إذ إن الكثير من كتاب هذا الجنس الأدبي يختارون في كثير من الأحيان انتقاء مرحلة من مراحل أعمارهم. أما عن أسباب اختيار هذا المجال، فهو ليس مجال اشتغالي الوحيد، هناك اهتمامات أخرى، لكن انشغالي بهذا الجنس الأدبي مرده إلى أنني منشغلة كثيرا بالعديد مما يسرده الناس عن حيواتهم، وأعتبرها من قبيل تأريخ لأفكار ومجتمعات مرت فيما سبق عن طريق ذوات عاشت حياة أخرى، ونحن نقرؤها من زاوية نظر خاصة جدا. ما هو الهدف الرئيسي من الندوة التي تم تقديمها في مختبر السيميائيات؟ الندوة التي قمت بتنسيقها وتحمل عنوان: "الأدب الشخصي، قضايا وإشكالات"، شارك فيها أساتذة وطلبة مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، وهي تخوض غمار تجارب نقدية، ثم تطرح قضايا من وجهة نظرهم الشخصية كباحثين من خلال الاطلاع على نظريات السيرة الذاتية وتحولها على مدى العصور، فمثلا نحن نبدأ من التعاقد السير الذاتي الذي وضعه فيليب لوجون كميثاق أساسي لقراءة السير الذاتية، غير أنه لم يعد المعيار الأساس لهذه القراءة، ففي البداية كان الكاتب هو الشخص الوحيد الذي يمكن القول عنه إنه هو نفسه السارد، الآن بدأنا نضع مراتب بينه وبين السارد وهذا في حد ذاته بداية للتخييل وتغييب للشخص الواقعي. كيف يمكن للسيميائيات أن تسهم في فهم الأدب الشخصي؟ السيميائيات هي منهج من المناهج الأدبية التي تمتلك مفاهيم عدة لقراءة النصوص الأدبية، بحيث أن هذا المنهج يفتح إمكانات للتأويل انطلاقا من العلامات التي يبنيها النص الأدبي، وهنا يمكن أن نتحدث عن الاستدلالات التي يخلقها مثلا محكي الطفولة الذي يشكل أساسا لكل سيرة ذاتية، والذي من بين تأويلاته مثلا العودة إلى الطفولة وإلى التركيز على شيء معين من قبيل رهاب حدث في تلك المرحلة، وتكرار هذه العلامة التي يعود إليها الكاتب في كل حين كأن تصبح علامة قابلة لتآويل عدة تحكم العمر كله، ولو أن هذه العلامة ذاتها كما يقول السيميائي إمبرتو إيكو يمكن أن تكون علامة تقول الخطأ نفسه الذي يصبح قابلا لتأويل آخر. هل يمكن أن يلعب التاريخ والسياق الثقافي دورا في فهم الخطابات الأدبية؟ التاريخ يساعد في فهم الخطابات الثقافية وكذا السياق الثقافي، مثلا حين يكتب كاتب أجنبي سيرة ذاتية عن السيدا، فإن تلقيها سيختلف عنها في العالم العربي والأمثلة هنا كثيرة، فحين كتب مثلا محمد شكري سيرته الذاتية :"الخبز الحافي" أصبح النص ظاهرة لأن قارئه يبدأ من فضول ما تركه العمل من تأثير وإشارات وهمسات، وأتذكر بأنني بحثت عن هذا الكتاب أيام كنت صغيرة في السن وقرأته وسط كتاب آخر وكأنني أحميه من العيون وحتى لا يكتشف أبي ما أقرأ وكأنه من الكتب المحرمة. والتاريخ أيضا يمكن أن يساعدنا في قراءة الكثير من النصوص التي كتبت عن السجون، وحده التاريخ يمكن أن يساعدنا على معرفة السياق الذي كتبت فيه الكثير من النصوص التي تعتبر كإشارة معينة على حقبة تاريخية مرت منها المجتمعات العربية، وهي نصوص تقرأ ضمن ثنائية الضحية والجلاد، التي نجدها تابثة في هذا النوع من النصوص والتي هي بالرغم من أنها سير ذاتية محضة، فقد كتبت تحت تصنيف جنس أدبي آخر ألا وهو الرواية. هل هناك تحديات معينة تواجه الأديبة والقاصة عند كتابة الأدب الشخصي؟ لم يسبق لي أن كتبت سيرتي ولا أظنني سأفعل، ولكنني كتبت الكثير من السير الغيرية لسيدات من المغرب، عشن حيوات غريبة وأصدرتها في كتاب "محكيات نسائية، لها نعم النارنج"، وكل النساء لم يتم الإفصاح على أسمائهن الحقيقية لأنها لا تهم في هذا النوع من الكتابة، لأن الغرض الأساسي يكمن في معرفة الكثير من المسارات التي عاشتها نساء معاصرات في المجتمع الحديث بمختلف أنواعهن، وهذا مؤشر حقيقي عما تعيشه المرأة من ارتباك في ظل تطورات العصر. هل للفنون البصرية دور في تعزيز فهم الأدب الشخصي؟ نعم للفنون البصرية كيفما كان نوعها أن تكون علامة أخرى في كتابة السير، فقد اشتغل رولان بارت في كتابيه "الغرفة المضيئة" و"رولان بارت بواسطة رولان بارت" على صورة العائلة رغم أنه في مرات عدة اعتبر بأن صورة العائلة تعيده إلى التقليد العائلي، إلا أن صورة العائلة تؤرخ لمرحلة هامة في حياته، إضافة الى معرفة العديد من التقاليد العائلية في اللباس والعادات إلى غيرها، ويمكن العودة بقوة إلى لوحات فان غوخ الذي كان يرسم وجهه في العديد من اللوحات وينقل المكان الذي يعيش فيه، بحيث نعرف مكان عيشه عن طريق الرسم، وهذا ساعد في معرفة الكثير من أسرار حياته الشخصية، ففان غوخ كان قد أخذ إسم أخيه المتوفى، والأم لم تكن ترى فيه سوى الأخ الغائب، لذا كان رسمه لوجهه بمثابة هوية جديدة له شخصيا، والأمثلة كثيرة جدا في هذا الباب، فالفنانة فريدا كاهلو كانت مريضة لفترات طويلة ومقعدة وكانت ترسم نفسها في العديد من الأوضاع التي تبرز فيها بصحة جيدة كأن تكون في جسم حيوان أو في شكل متعدد الوجوه وكأنها تخاف أن تصير إلى العدم. هل يتكامل التحليل السيميائي للصور مع تحليل الخطابات الأدبية؟ ليست كل السير الذاتية تتضمن صورا أو لوحات تشكيلية مثلا، لكن هناك بعض التجارب الكتابية التي تعتمد الصور كشكل إضافي يضيء السيرة. ونحن نعرف أن كتابة السيرة الذاتية في معظمها تتضمن نوعا من النرجسية العليا، فغالبا ما نقرأ ضمن سيرة معينة تلك الأنا التي نجحت في اجتياز الكثير من العقبات كي تصبح في وضعية أفضل. وهناك مثلا سيرة ذاتية تحمل عنوان"الجلادون" للكاتبة المغربية ربيعة السالمي، كانت هذه الشخصية لها حضور سياسي، فجاء عملها معززا بالصور التي تثبت فيه حضورها ضمن محافل سياسية كبرى، فالصور هنا تأتي كعلامة إضافية إلى أهمية الأنا من خلال صور تدعم كلامها الذي يتحدث عن قيمتها كشخصية لها وضع اعتباري معين، إذ لم تكتف بالسرد فقط بل أضافت إليه الصور التي تعزز خطابها، إذ تصبح الصور دليلا آخر للأنا . هل تعتقدين أن الموضوع قد يثير اهتمام الجمهور الواسع أم أنه موجه أكثر للمتخصصين؟ الموضوع موجه للمتخصصين في الدراسة الأكاديمية أولا، لأنه يتحدث على الأبعاد النظرية للسيرة الذاتية وكيف تم تطبيقها في النصوص الأدبية، كما يتناول الكتب التي تناولت موضوع السيرة الذاتية في العالم العربي، إذ أعتبره موضوعا للباحث المتخصص والذي يفيده في تطوير أدواته النقدية. هل هناك خطط لأبحاث أو أعمال مستقبلية تتعلق بالأدب الشخصي وتحليل الخطابات؟ أظن أن السيرة الذاتية أصبحت تكتب كل يوم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث إننا نقرأ الكثير من سير الأشخاص عن طريق تدويناتهم وصورهم اليومية والأمكنة التي يذهبون إليها، وكذا أنواع عطورهم وكلابهم ومنازلهم، وهو أمر أصبح غريبا الآن في هذا العصر، وهذا في حد ذاته يشبه الأبعاد النرجسية التي يعيشها كاتب السيرة، وهو بعد يمكن أن يكون محور دراسات قادمة. كيف ترين مستوى اهتمام الباحثين والأكاديميين نحو الأدب المغربي؟ هناك بحوث نوجهها جهة الكتاب المغربي كي يكون محورا أساسيا في الدراسة، وهناك أيضا نصوص ندرسها للطلبة كي يتعرفوا على الكثير من الكتاب في الأدب المغربي، غير أنه يصعب مواكبة كل ما يصدر، لأن الإصدارات الآن كثيرة، لكن هناك أيضا دراسات نقدية يقوم بها النقاد وهي تتابع الأدب المغربي والكثير من الأسماء تحظى بالمتابعة ولكن ليس كلها بنفس القدر. حدثينا عن أعمالك الأدبية الجديدة؟ آخر كتاب صدر لي هو كتاب"لكل امرأة كتاب" سنة 2023، وهو كتاب يتحدث عن أن لكل امرأة كتابها الخاص أو سيرتها الخاصة كأن أوضاع النساء رغم تشابهها تبقى كل تجربة متفردة، وفيه نجد الكثير من الأنماط النسائية سواء العاملة أو الكاتبة أو الطبيبة أو الفنانة أو العاشقة أو الخائنة إلى غيرها من الأنواع، فلكل امرأة سيرة خاصة تعكس فيها هواجسها كأن نجد امرأة بسيطة تحكي أحلامها في ظل مجتمع يكبر ويأخذ كل شيء معه. صدر لي قبلها مجموعتي القصصية "كوفيد الصغير"، والذي وثقت فيه تجربة مهمة عاشها العالم بأسره عن الوباء ومدى أثره النفسي والاجتماعي في حيوات الأفراد، وهناك أعمال قادمة تنتظر دورها.
مشاركة :