زادت حالات الطلاق قبل البناء في مصر في السنوات الأخيرة، وهي مشكلة تتحملها أسرة الفتاة أولا باعتبارها الضحية. ويرى مستشارو العلاقات الأسرية أن التسرع في إتمام إجراءات الزواج دون تعقل يفضي إلى شقاق بين العائلتين ما يعجل من إنهائه، وينصح خبراء الأسرة بضرورة خضوع المقبلين على الزواج لبرامج تثقيفية تجعلهم قادرين على إيجاد حلول لعثرات ما قبل الزفاف. القاهرة - أظهرت وقائع الطلاق قبل الزفاف الرسمي في مصر معاناة بعض الأسر من مشكلة مرتبطة بتأهيل الفتيات للدخول في مرحلة بناء أسرة والتفاهم حول آلية لتجاوز خلافات قد تقع مع الشريك الجديد في حياتهن، ما يظهر في أسباب الوصول إلى مرحلة الانفصال النهائي قبل موعد الزفاف الرسمي. وتعج محكمة الأسرة في مصر بقضايا مرتبطة بالطلاق بين من عقدن قرانهن ولم يتزوجن بالمعنى العملي، وهي وقائع مستحدثة على الكثير من الأسر، لأنها موجودة منذ زمن على نطاق ضيق ولدوافع يصعب حلها، لكنها صارت متكررة وتعجز بعض العائلات عن ترميم العلاقة قبل تدهورها، ويتم اللجوء إلى القضاء للطلاق للضرر. ولا يرتبط الأمر بالفتاة فقط، لكن الشباب أيضا من بينهم من يلجأ إلى محكمة الأسرة للفصل النهائي والحكم بالطلاق كي لا يخسر ماديا، بحكم أن الانفصال إذا وقع قبل الزواج بقرار من أحد الطرفين دون حكم قضائي قد يكبد الشاب خسائر مالية باهظة، فلا هو تزوج فعليا ولا احتفظ بما اشتراه من مستلزمات لسكن الزوجية. وتعبّر بعض القضايا عن إخفاق عائلي في حل الخلافات التي تقع بين الشاب والفتاة أو أسرتيهما، قبل موعد الزفاف الرسمي، مقابل استسهال اللجوء إلى محاكم الأسرة التي تقتضي من الطرفين في مثل هذه الحالات حل المشكلة القائمة بشكل ودي تجنبا لانهيار العلاقة قبل أن تبدأ. وتحتل مصر مرتبة متقدمة عالميا في معدلات الطلاق بين المتزوجين، لكن الجديد في الأمر أن العدوى انتقلت إلى من لم يعقدوا القران ولم يتزوجوا فعليا، حيث صار الانفصال طريقا سهلا لإنهاء الخلافات الواهية التي لا تستحق هدم العلاقة لأجلها، لكنّ هناك أسرا تبني على المشكلات الصغيرة تقديرات سلبية للمستقبل في الأزمات الكبرى. محمد هاني: تضمين عقد الزواج لحقوق وواجبات كل طرف هو حل وسط لأزمة الطلاق قبل الزفاف محمد هاني: تضمين عقد الزواج لحقوق وواجبات كل طرف هو حل وسط لأزمة الطلاق قبل الزفاف وعانت إيمان محمد، مرارة الطلاق قبل موعد زفافها بأسابيع قليلة، بعد أن خدعت في شريكها الذي تعهد لها بشراء شقة سكنية مستقلة وعدم العيش في منزل العائلة، لكنه بعد عقد القران بأيام أفصح لها عن عدم قدرته المالية على الوفاء بهذا الوعد وطلب منها القبول بأن تعيش معه في منزل والده الواقع في منطقة ريفية. وحاولت الفتاة تذكير شريكها بكلامه السابق، غير أنه تنصل من تعهداته وتحجج بالظروف المالية الصعبة، وحاولت إيجاد حل وسط بالإقامة في شقة بنظام الإيجار، فالمهم أن يعيشا معا بعيدا عن منزل العائلة الذي دائما ما يعج بالخلافات، لكنه رفض وتمسك بموقفه ولم يظهر مرونة معها. وأضافت إيمان لـ”العرب” أنها تعرضت لضغوط كبيرة من جانب أسرتها وأصدقائها وأقاربها للموافقة على الإقامة في منزل العائلة فترة بسيطة، لكنها تعاملت مع الأمر باعتباره خديعة تعرضت لها وأنه تم توريطها في عقد القران سريعا كي تكون أمام الطلاق قبل الزواج أو القبول بالأمر الواقع. وقالت "نعم أصبحت مطلقة قبل زفافي، لكن لا مشكلة، فقد كان قراري شجاعا برفض الرضوخ للابتزاز والانصياع لأمر يعد بالنسبة إليّ خطا أحمر، فأنا أعلم أن الإقامة في بيت العائلة سوف يجعل طلاقي حتميا في المستقبل، وحينها ربما أكون قد أنجبت طفلا، اخترت الانفصال مبكرا مهما واجهت من ظلم مجتمعي". وتدفع الفتاة المصرية التي تتعرض للطلاق قبل الزواج فاتورة باهظة عندما تحمل لقب مطلقة دون أن يحدث الزفاف الرسمي، حيث تواجه تحفظا من بعض الشباب للزواج منها، وقد يتم نعتها بتوصيفات غير إنسانية، كأن يتردد في المحيط العائلي والسكني أنها تعاني من عيوب دفعت شريكها للخلاص منها. ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التسرع في إتمام إجراءات الزواج دون تعقل وحكمة يفضي إلى شقاق بين العائلتين أو طرفي العلاقة، وفي الكثير من الأحيان يشعران أنهما تورطا في زواج لم يكن من المفترض أن يتم قبل الاتفاق على كل شيء، وهي مشكلة تتحملها أسرة الفتاة أولا باعتبارها الضحية. ويشير هؤلاء المتخصصون إلى أن قرار الزواج الذي يتخذه الشاب أو الفتاة يجب أن يكون مدروسا وليس لمجرد التجربة وتأدية طقوس الحياة، لأن التسرع يجعل الارتباط مع الشريك معرّضا للفشل، ما يحتم خضوع المقبلين على الزواج لبرامج تثقيفية تجعلهم قادرين على إيجاد حلول لعثرات ما قبل الزفاف. وتكمن مشكلة بعض الأسر في أنها تسرّع من وتيرة عقد القران بين الشاب والفتاة قبل اكتمال الصورة، والاتفاق على كل البنود وتنفيذها من جانب كل طرف، وبعد الاطمئنان الظاهر يتم تحديد موعد العقد، وربما يكون ذلك قبل توقيت الزفاف بأسابيع أو شهور بلا اكتراث بإمكانية فشل العلاقة مبكرا. وتخلو عقود الزواج في مصر من وجود اشتراطات أو ضوابط ترسم مسار العلاقة بين الشاب والفتاة، ورسم الحقوق والواجبات الواقعة على كل طرف، وقد يتم الاكتفاء بالتعهدات الشفهية من الأسرتين بلا ضمانات في العقد لما تم الاتفاق عليه شفهيا وبعيدا عن الإطار الشرعي، وهو ما يمثّل لاحقا أحد أسباب الطلاق السريع. ◙ عقود الزواج في مصر تخلو من وجود اشتراطات أو ضوابط ترسم مسار العلاقة بين الشاب والفتاة ورسم الحقوق والواجبات وهناك شباب لا يمانعون أن تعمل زوجاتهم وبعد عقد القران يطالبونهن بالجلوس في المنزل والامتناع عن النزول للعمل، وآخرون يستسهلون الزواج من امرأة لا تغطي شعرها، وفجأة تطالب بارتداء الحجاب، وهي أسباب بسيطة ولا تقود إلى انهيار علاقة الزواج، لكنها يمكن أن تقود إلى الانفصال قبل الزواج الرسمي. وقال محمد هاني استشاري العلاقات الزوجية وتقويم السلوك إن تضمين عقد الزواج لحقوق وواجبات كل طرف، والتوقيع على ذلك مبكرا من الشريكين هو حل وسط لأزمة الطلاق قبل الزفاف، وهذا يتوقف على شجاعة الفتاة في فرض حقوقها ودعم أسرتها لها، واستقلال قرارها في رسم حياتها بطريقتها. وأوضح لـ “العرب” أن تضمين عقود الزواج ضوابط العلاقة مستقبلا تزداد أهميتها عندما يكون المجتمع غير منصف للمرأة ويحمّلها وحدها مسؤولية كل شيء، بما فيها انهيار العلاقة قبل أن تبدأ، لكن وقوع الطلاق قبل الزواج تتحمله الأسرة، لأنها فشلت في اختيار الشريك الصحيح أو تسرعت في عقد القران. وبغض النظر عن الطرف المتهم، فإن مقترح تضمين عقود الزواج بما تم الاتفاق عليه يريح الجميع ويقلل من وقوع صدام يقود إلى الطلاق السريع، وتتحوّل حياة الطرفين إلى جحيم في المحاكم، بالتالي فالاتفاق الحاكم للعلاقة في البدايات ضرورة لتفادي النهايات السيئة. ويقود حسم الأمور مع بدايات العلاقة إلى أن تكون الحياة بين الشريكين قائمة على المصارحة والمكاشفة وتقبّل الآخر، لكن ذلك لا يعني أن يلجأ المتضرر بعد التفاف شريكه على البنود إلى الطلاق أو التلويح بالضوابط الموقع عليها سلفا، فالمعيار الأهم أن يفهم كل طرف ماذا يريد شريكه من حقوق ومتطلبات.
مشاركة :