عروض «الأيام».. أحلام عربية مؤجلة وأخرى مجهضة

  • 3/28/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انصرفت أغلب عروض مهرجان أيام الشارقة المسرحية في دورته السادسة والعشرين، الذي اختتم قبل يومين، إلى معالجة الواقع العربي الحاضر، الذي يعشش العنف والحرب والفساد في مناطق كثيرة منه، ما أدى إلى تشرد أبنائه وهجرتهم إلى بلدان الغربة، ونحن نرى طوابير من المهاجرين على حدود تركيا وألمانيا وصربيا واليونان، ونشاهد صوراً للزوارق الصغيرة التي تقل الأكداس من التائهين في عرض البحر، بحثاً عن مأوى لا يجدونه في أرضهم، هذا الواقع طغى على العروض، وركزت معالجته على موضوعات عدة تنضوي تحته، فاتجهت بعض المسرحيات إلى معالجة الهجرة وأسبابها، وما ينتج عنها من وحدة وحسرة، واتجهت أخرى إلى معالجة الحرب وانعكاساتها السلبية، بينما اتجهت ثالثة إلى معالجة التطرف وما يجلبه من كبت للحرية والإبداع، ولم تتوقف هذه العروض عند القضايا الاجتماعية الراهنة في الإمارات أو الخليج إلا في حالة واحدة اشتغلت فيها مسرحية أيام اللولو على موضوع محلي راهن. في معالجة الحرب تبرز مسرحية ليلة من تأليف وإخراج علي جمال، لفرقة مسرح خورفكان التي تتناول حياة ضابط متقاعد كان على علاقة حب قوية مع فتاة، لكن الحرب تقوم ويستدعى للمشاركة فيها، وفي الليلة التي سيذهب فيها إلى الحرب يلتقي بتلك الفتاة التي ترفض فكرة ذهابه إلى الحرب، وتحاول بكل وسيلة أن تمنعه، وتلعن الحرب، وتسب من صنعوها، وتكشف المسرحية عن مشاعر الشخصيتين نحو حرب فرضت عليهما، وأكلت أهلهما، وها هي سوف تفرق بينهما إلى الأبد، يحدث ذلك وسط الانفجارات المتواصلة التي سوف تلاحقهما تلك الليلة أينما ذهبا، حتى في عرض البحر، حتى وهما يحلمان بمستقبل باهر، فإن دويها ينغص عليهما حلمهما ويعيدهما إلى ذلك الواقع المكبل بالقذائف والرصاص، فالأحلام مؤجلة، وبالتالي المستقبل مؤجل، والواقع هو كما نشاهده جحيم، فإلى أين يتجه الإنسان، لقد كانت ليلة صرخة قوية في وجه واقع عربي تهزه الحروب من جميع جهاته، كذلك نجد أصداء للحرب في مسرحية حافة الاقتراب ومسرحية صدى الصمت التي استضافها المهرجان. الهجرة والتشرد هما الموضوع الأساسي لمسرحية حافة الاقتراب من تأليف وإخراج محمود أبو العباس، لفرقة مسرح أم القيوين الوطني، هذه الفرقة التي كان متوقفة لفترة طويلة، واعتبرت عودتها انتصاراً لإرادة العمل المسرحي في الإمارات، ونجحت في تقديم عرض مقبول، قدم رؤية حول التشرد من خلال شخصيات هربت من المدينة التي طغى فيها الفساد على كل شيء، واستعرت فيها الصراعات والحروب، وأصبح بقاء الفرد فيها يهدد حياته، فخرجت تلك الشخصيات إلى فضاء خلاء مفتوح لا مأوى فيه، ولا أسباب للعيش، فضاء هو التيه والهلاك البطيء، تماماً كما يتشرد السوريون والعراقيون والليبيون واليمنيون اليوم، فراراً من المآسي التي تضرب بلادهم، وكما يتشرد ويهاجر الشباب في معظم بلدان الوطن العربي، فراراً من الفقر والظلم والاستغلال الذي يعانيه معظمهم، الذي يمارسه رجال فاسدون من الأمن، والجماعات المتطرفة، وعصابات المافيا، وعصابات الإجرام، والمرتزقة الذين يستعملهم المحتل للقتل، وهي عصابات تعمل ضد إرادة المواطن البسيط، وتجعله يعيش الذل والفقر، وتعيث فساداً وقتلاً بالمجتمع، وتخرب المدن، وهي نفسها التي فر من بطشها بطلا المسرحية وآثرا الخلاء على أن يعيشا في جحيمها. وكانت المسرحية الكويتية صدى الصمت التي استضافتها الأيام، وافتتحت بها قد عالجت موضوع الغربة الذي هو مظهر من مظاهر التشرد، وما ينتج عن تلك الغربة من وحدة وهشاشة نفسية تجعل المهاجر يبحث عن أنيس، حتى ولو كان من بلاد الأعداء الذين حاربوا بلاده وقتلوا أحبته، فالمجتمع الغربي الذي هاجر إليه بطلا المسرحية مغلق عنهما، بسبب قيمه الحضارية التي تختلف عن قيمهما، التي لا يجدان فيها نفسيهما، ما اضطرهما إلى البحث عن طريقة للتواصل في ما بينهما، فعلى الأقل هناك شيء مشترك بينهما، هو التاريخ والحضارة، ويمكنهما أن يقيما روابط قوية على أساسه متجاوزين حاضر الحرب التي قامت بين بلديهما، وبذلك تشكل المسرحية نوعاً من محاولة الانتصار على الحرب، واعتبارها ظاهرة طارئة وغير طبيعية، والطبيعي هو تلك العلاقات التي تعطي للإنسان قيمته، ويجد فيها ذاته. في موضوع التطرف برزت مسرحية الوتر الخامس تأليف مفلح العدوان، وإخراج فراس المصري، لمسرح دبا الفجيرة، التي اختلقت عودة جديدة لزرياب، ذلك المطرب القديم الذي عاش في زمن الدولة العباسية، وكان له أثر بالغ في تطور الموسيقى العربية، عاد زرياب إلى بغداد ليفتتح ملهى يقيم فيه حفلات لعاشقي الغناء، لكنه يواجه بالمتطرفين الذين يهددون بالقتل كلَّ من يحوم حول الملهى، فمنعوا عنه الجمهور، وكانت المسرحية بذلك ترمز إلى أن التطرف يقضي على الإبداع ويعمل ضد الجمال في الفنون الإنسانية، وأنه يدمر الوجه البديع للحياة. الموضوع الاجتماعي المحلي كان قليل الحضور في العروض، ولم يتناوله بشكل مباشر سوى عرض واحد هو أيام اللولو لمسرح دبي الأهلي، من تأليف وإخراج ناجي الحاي، العائد إلى حلبة الإخراج بعد طول غيبة، فهو يناقش الاندفاع في العولمة والتغريب الذي ينجرف فيه بعض الأشخاص، مجاراة لحياة مجتمعات غير مجتمعاتهم، وحباً في المظاهر الخادعة، ما يؤدي إلى قطع الصلة بينهم وبين مجتمعهم، ويكون كارثة عليهم وعلى أبنائهم من بعدهم، فيجدون أنفسهم غرباء بين أبناء جلدتهم، ولا يعرفون كيف يتواصلون معهم، تلك هي حالة بطلة المسرحية وأمها الهرمة التي عاشت وهم الحياة المتحضرة، وجنت على ابنتها بذلك، أما مسرحية صوت السهارى من تأليف عبد الله صالح وإخراج حسن يوسف لمسرح دبي الشعبي، فتناولت جانباً من الحياة الماضية للمجتمع الإماراتي أو الخليجي بشكل عام، من خلال فكرة رومانسية، هي محاولة لإحياء حب ميت، والتمتع ولو بلحظة واحدة من الحياة، حتى ولو جاءت متأخرة، في إطار قصة تستعرض وضع المرأة في المجتمع التقليدي، حين تعاني وحدة ولا تجد حولها إلا من يريدون سلبها مالها فتضطر إلى أن تتقمص دور الرجل، وتصبح وحيدة تحتاج إلى فارس أحلام يبرز فجأة من بين فروع الشجر لينقذها ما هي فيه، وفي نفس السياق تأتي مسرحية شيطان البحر إخراج أحمد الأنصاري، لفرقة المسرح الحديث في الشارقة، وهي من تأليف مرعي الحليان الذي أخذ فكرة النص عن رواية اللؤلؤة للكاتب الأمريكي جون شتاينبك الحائز جائزة نوبل للآداب 1962، لكنّ الحليان جعل مسرحيته تدور في مجتمع خليجي تقليدي، حيث البحارة الفقراء و(الطواشين) تجار اللؤلؤ والمداوي الذي يستخدم الشعوذة للتحايل على الناس، وحيث البحر وبيئته، في محاولة لطرح مستويات متعددة من صراع الإنسان ضد قوى الشر. أيام الشارقة لهذا العام أبرزت عنصرين فنيين مهمين يبدو أن التقدم فيهما واضحاً، أولهما مستوى التمثيل الذي برز به عدد كبير من الممثلين، ففي معظم الحالات كان الممثلون حافظين لأدوارهم محافظين على طابع الشخصيات التي يمثلونها، وهذا شيء هام يدل على أن الورش المكثفة التي تقدمها المؤسسات الراعية للمسرح خاصة إدارة المسرح في دائرة الثقافة والإعلام، قد آتت أكلها، وأفادت الممثلين في تحسين أدوارهم، وفي الدورات الماضية كان الخلل في تمثيل الأدوار وضعف الممثلين بارزاً إلى درجة أن أعضاء لجان التحكيم ظلوا يلحون في توصياتهم على إقامة ورش للتمثيل، كما أن هذا التطور يعني أن المخرجين أعطوا عناية كبيرة لعنصر التمثيل، الذي عليه المدار في كل عمل مسرحي، أما العنصر الثاني البارز فهو الاحترافية في التعامل مع عناصر السينوغرافيا، فقد شهدت السنوات الماضية طفرة بذخ في التعامل معها، وكان كثير من المخرجين يحشدون كل العناصر بازدحام صارخ في العروض المسرحية، وفي هذه الدورة هناك ترشيد وتقنين واعٍ لطريقة الاستخدام، وظهرت تلك الاحترافية في أيام اللؤلؤ وليلة وشيطان البحر وصدى الصمت. تلك تطورات مهمة تعني أن مسيرة الاحتراف تتواصل وأن الوعي بأسس الفعل المسرحي يزداد رسوخاً، ويتجه إلى أن يصبح ثقافة مبدئية لدى المخرجين، ما يبشر بأن الدورات القادمة سوف تشهد عناية أكبر بالعنصر الأهم وهو الطرح الدرامي الذي لا يزال إحدى المشكلات العميقة في العروض المسرحية المحلية.

مشاركة :