في عام 2007 أعلنت الأكاديمية السويدية نبأ فوز دوريس ليسنج بجائزة نوبل في الآداب، وجاء في حيثيات الفوز أن الكاتبة رصدت ببراعة ملحمية تجربة نسوية، استطاعت بتبنيها لقوة الحلم والغضب والحماسة، إضافة إلى الشك في يقينية المعرفة بالعالم، أن تعرض الحضارة الإنسانية المنقسمة على نفسها. كان عمر الكاتبة آنذاك نحو 88 عاماً، وقد استطاعت عبر كتاباتها المتمركزة حول سيرتها الذاتية، أن تندفع عابرة قارات العالم، كي تعكس انخراطها النسوي في القضايا السياسية والاجتماعية لعصرها، على حد تعبير المترجم والشاعر طاهر البربري في تقديمه لترجمة مدحت طه لرواية ليسنج الطفل الخامس. ليسنج هي المرأة الحادية عشرة التي تحصل على جائزة نوبل في الأدب منذ إطلاقها، وكانت قد عرفت بنبأ فوزها حين عادت إلى البيت، بعد زيارة سريعة لابنها بالمستشفى، ورأت عدداً من الصحفيين في انتظارها، عبرت عن اندهاشها، وقالت: لقد نسيت هذا الموضوع تماماً، إذ إن اسمي ظل في القائمة المصغرة للترشيحات لفترة طويلة للغاية. أهملت ليسنج متابعة أخبار الجائزة، بعد وجودها لأربعين عاماً في القائمة المصغرة، وقالت: لا يمكنك الاستمرار كثيراً تحت وطأة الاندهاش كل عام لنفس السبب، وعلى أية حال هناك حدود دائماً للذهول ثم أردفت قائلة للصحفيين: الآن أعتذر لكم لأنني أود الدخول إلى منزلي للرد على الهاتف، وأقسم لكم بأنني سأصعد إلى غرفتي، لأدرب ذهني على بعض جمل مناسبة، كي أستخدمها من الآن فصاعداً. تشير المقدمة التي كتبها طاهر البربري إلى أنه ربما يكون أقوى ما أبدعته ليسنج، هو أنها ألهبت حماسة جيل من الناشطات النسويات بروايتها المفكرة الذهبية حتى إن الأكاديمية السويدية أشارت إلى أن الحركة النسوية المزدهرة رأت في هذه الرواية، العمل الرائد بين مجموعة من الأعمال، التي صاغت رؤى القرن العشرين، فيما يخص علاقة المرأة بالرجل. صدرت رواية ليسنج المفكرة الذهبية عام 1962 وتسرد من خلالها حياة آنا وولف وهي امرأة أرادت أن تعيش الحياة بحرية تامة، وهناك من يرى أن شخصية آنا وولف تجسيد حي لدوريس ليسنج، التي استطاعت بقوة تصوير الغضب الأنثوي، والاعتداء على حقوق المرأة، فكثيراً ما اتهمت ليسنج بأنها مناوئة للأنثوية وردا على ذلك قالت: من الواضح أن ما تفكر فيه وتشعر به وتعيشه نساء كثيرات يبدو مثاراً للدهشة والذهول. في أعمالها الأولى كانت ليسنج تنطلق من تجارب طفولتها في مستعمرة روديسيا (زيمبابوي) لترصد الصدام بين البيض والثقافات الإفريقية، وبسبب وجهات نظرها المنحازة للسود، أعلنت حكومتا روديسيا وجنوب إفريقيا أنها أجنبية، محظور إقامتها في هذين البلدين، وذلك عام 1956 ومع ذلك ظلت تكتب عن العالم وأنماط التهديدات والصراعات، التي تديرها المجتمعات والمؤسسات والأمم، التي ليس من شأنها تهديد المجتمع فحسب، بل الكون بأكمله. وصفت ليسنج طفولتها بأنها كانت مزيجاً من المتعة والألم، فالعالم الذي استكشفته وهي بصحبة أخيها لم يكن يمثل سوى ملاذ من وجود آخر، تصمه التعاسة، فأمها استحوذت عليها الرغبة في تربية فتاة متميزة، فوضعتها تحت وطأة منظومة منزلية من القواعد الصارمة، بعدئذ ألحقتها بمدرسة للراهبات، كن يشبعن تعليماتهن بقصص عن العقاب السرمدي، بعد ذلك التحقت ليسنج بمدرسة ثانوية للبنات، فصلت منها بعد فترة قصيرة، وكانت في الثالثة عشرة من العمر، وانتهت عند هذا الحد علاقتها بالتعليم الرسمي. تؤمن ليسنج بأن الطفولة البائسة هي السبيل الأعظم لخلق كاتب وإن كانت هي قد استطاعت الهرب من البؤس، بتشكيل عوالم أخرى مكتملة، عن طريق القراءة، فقد اكتشفت الطريق إلى د. ه. لورانس وستندال ودستويفسكي، وحواديت ما قبل النوم، وحين غادرت حضن الأم كانت في سن الخامسة عشرة، وعملت آنذاك حاضنة أطفال، لتقرأ كتباً في علم السياسة والاجتماع كان يزودها بها رب العمل. في عام 1937 انتقلت دوريس ليسنج للعمل موظفة تليفونات، وتزوجت وهي في سن التاسعة عشرة، وأنجبت طفلين، لتشعر عندئذ بأنها ستقع في فخ، يدمر شخصيتها، فتترك الأسرة، لتنضم إلى أعضاء نادي الكتاب اليساري، وخلال سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، تترك هذه الحلقة، لتنتقل للعيش في لندن، كان ذلك عام 1949 حين أصدرت روايتها الأولى العشب يغني لتبدأ مسيرتها ككاتبة محترفة، وتقود حركة تعبير روائي وقصصي، قوامها صراع العناصر المتناقضة، داخل شخصية الفرد، وتفضح عقم ثقافة البيض في إفريقيا السوداء.
مشاركة :