من دروب الفن حيث التلوين نهج للبحث عن الذات في أحوالها المتعددة وقول بالكامن في الذات من شغف وحلم وذهاب باتجاه المعنى في تنوع دلالاته وأسئلته ومراميه وفق الإنصات للعالم بكائناته وتفاصيله.. من مناخات الفن المفعمة بالطفولة في إقامتها المفتوحة تجاه الآخرين نظرا وتأملا وحيرة وأملا.. من هذه الدروب والمناخات تنسج الذات حكاياتها لتسردها بالتعاطي الجمالي مع اللوحة والقماشة في ضروب شتى من الإفصاح عبر الموضوع والألوان وإبداء هواجس الدواخل.. هكذا كانت البداية والمسيرة المتواصلة للفنانة التي تحمل معها طفولتها المقيمة بها وهي تنصت للتفاصيل لترسم على قماشة القلب حيزا من الأعمال الفنية التي تراوح بين تيمات شتى بأحاسيس هي عين ما تخفيه لتبدية مع كل عمل تنجزه وهي التي ترى في اللوحة كينونتها وأحلامها التي قادتها إلى هذا النشاط الملون بالنشيد.. الفنانة نسرين الحنشي في هذه السياقات من عملها الفني التشكيلي تأخذنا إلى عوالم الفن في معرضها الشخصي الذي افتتح مساء الخميس الثامن والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي برواق المعارض الفنية علي القرماسي بالعاصمة وفق عنوان لافت وهو "خلف المرآة".. معرض انطلق باحتفالية حضرها عدد من الفنانين والمهتمين بالرسم والمعارض ليتواصل إلى غاية يوم 13 من يناير/كانون الثاني الجاري. لوحات فنية متعددة مختلفة تواريخ إنجازها يجمع بينها جانب من رغبة الفنانة في التنويع بين التجريد والتشخيص وما هو يحيل على عوالم سوريانية يحضر فيها الجسد الذي تراه الفنانة مجالا للتعبير والقول بأحواله وما يرمز إليه وهو يتشكل في هيئات شتى بين الشجرة وغيرها، لنجد من جملة عناوين الأعمال المعروضة ما يلي "الوحش" و"قهوة الانعاش" و"قراءات" و"الأصحاب" و"هل ترني" و"تكبر وما تنساش"... أعمال فنية بالأكريليك والزيتي رامت من خلالها الفنانة نسرين إبراز تلك العلاقة بين الفكرة واللوحة حيث الفنان يستجمع ما في ذاكرته ووعيه من إحساس دفين بالمعيش في قراءة.. هذه القراءة التي تستبطنها في نظرها للأشياء وهي ذاتها التي تمنحها شيئا من القصائد التي تتلاءم مع ما ترسمه في كل ما يعني رؤية نسرين تجاه الذات والآخرين.. في الافتتاح وضمن سياق الحديث عن منجزها الفني قرأت الفنانة نسرين الحنشي عددا من القصائد الشعرية التي كانت باللغة الفرنسية والتي تقبلها الحضور لما فيها من طرافة ورمزية على غرار هذا النص الذي منه ما يلي "الجميع يريد أن يصبح رئيسا / الجميع يرغب ليكون رئيسا / الكرسي معروض للبيع بالمزاد / الجميع يرغب ليكون رئيسا..."، وكذلك "أنا تونس.../ أنا أنزف وأعاني / أنا كدمات / من يرغب في الانتهاء / امرأة تموت/ أنا تونس.../ ... لكن من يهتم؟". وفي نص "ذبابة في قهوتي" تقول الفنانة نسرين "ذبابة تسقط في قهوتي / إنها تخطئ في اللغة،.../ قالت لي: "أخرجيني من هنا من فضلك!/ تزون! تزون! تزون!/ لقد بدأت حقا بالغضب / إنها تتوسل لي / امسح جناحي / حتى أطير بعيدا!/ الذبابة مدللة جداً / من أفسد قهوتي / ولحظة سلام / ما كنت أبحث عنه قبل الذهاب إلى العمل / "لا !" هذه المرة أنا قلت / أنا لن ألتزم!/ بالانتقام / صفق! لقد سحقته!"... بين هذه الكلمات والمساحات الملونة في اللوحات كانت الرسامة تقرأ الوجوه تشير إلى تقبلها لملاحظات الذين زاروا المعرض مبدين أسئلة واستفسارات هي جوهر ما أرادته صاحبة المعرض التي ترى في الرسم والإبداع أفكار شتى لدغدغة المتلقي وتحريك السواكن وخلخلة المفاهيم المطمئنة في التعاطي مع اللوحة وأي عمل فني مهما كان نوعه وجنسه وأسلوبه. الفنانة التشكيلية نسرين الحنشي شاركت في عديد الأنشطة التشكيلية ومنها المعارض الجماعية، فضلا عن الخاصة بعد تلقيها تكوينا في فنون الرسم بالمركز الثقافي الإيطالي، كما أنها أدارت ورشات للرسم ضمن أنشطة جمعية مرضى السرطان وكانت لها مشاركة ضمن الأسبوع الثقافي التونسي الإيطالي بمدينة سراقوسطا وكذلك ضمن الدورة التاسعة عشر لمهرجان المبدعات العصاميات بالمنستير وبالمعرض الجماعي بالنادي الثقافي الطاهر الحداد وكذلك المعرض الشخصي لسنة 2012 بفضاءات دار الثقافة المغاربية ابن خلدون بعنوان "إيحاءات". والمعرض الخاص بعنوان "الآخر ليس ...أنا" بدار الثقافة ابن رشيق والمعرض الخاص "منامة" والمعرض الجماعي برواق يحيى بعنوان "نظرات متقاطعة" برواق يحيى كذلك... فضلا عن مشاركات متعددة ضمن المعارض السنوية لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين. في رواق علي القرماسي تعبيرات فنية متعددة لفنانة تواصل البحث عن ذاتها من حيث التعاطي مع فن فيه تقاطعات متعددة مع الكتابة ومنها الشعر لتقول بما يختمر لديها من الأفكار والرؤى التي قدمت لنا منها وإلى غاية يوم الثالث عشر من يناير/كانون الثاني الجاري جانبا عنوانه "خلف المرآة".. هذه المرآة التي تراها تعكس ما في دواخلها على فضاءات اللوحة التي هي عالمها وهيامها وكلماتها الملونة بالشجن والألم والأمل.
مشاركة :