حرية التنقل والتصوير في 'مرايا عمر سعدون'

  • 1/5/2024
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

"مرايا عمر سعدون".. هذا ما اختاره الشاعر عدنان الفضلي ثُريّا لديوانه الصغير حجماً مع العلم ان هذا العنوان هو عنوان واحدةٍ من قصائد الديوان. وثمة تساؤل يخامر النفس.. لماذا اختار الفضلي عنوان هذه القصيدة ليكون ثُريّا لمجموعته؟ لا بد ان يكون لتلك القصيدة وقعٌ في نفس الشاعر يجعلها اقرب من غيرها اليهِ في عكس ما يمور في النفس، ولماذا "مرايا" جاءت جمعاً لان المرآة تعكس وتلتقط ما يقابلها من صور يريدها الشاعر نوراً عاكساً ما زرعه عمر سعدون وكوكبة رفاقه الشهداء في وصف كل الاتجاهات.."كان مهتماً بتمشيط الاماكن التي سيزرع فيها مراياه"، لان هذا الشهيد حامل المرايا متيقن من طريق واحد يحقق احلام الوطن فهو غير متردد ولا هياب "حين ايقن ان لا جسر اخر في الناصرية يسمح بعبور حفنة احلامه الى الضفة الاخرى، حزم عمر سعدون جميع مراياه ومضى لم يلتفت الى الحبوبي". لاحظ التواشج بين "ايقن" و"حزم" فيقينه ادى الى موقف فيه ما فيه من الثبات يؤدي الى الحزم والعزم بما في "حزم" من اصرار، ورُب سؤال يطرح نفسه: لماذا جاءت المرايا جمعاً؟ (عشر)؟! لماذا لم تكن مرآة واحدة كبيرة؟! ان تعدد المرايا منح الشاعر حرية التنقل والتصوير من زوايا مختلفة يميناً او يساراً محافظاً على الظلال والانوار، فكل مرآة تعكس صورة لا نجدها في مرآة اخرى يبتدئها بالمرآة التي تعكس صورة الحيادي المنافق لانه حيادٌ يقف متفرجاً على صراع بين حقٍ وباطلٍ، وهل من حيادٍ بينهما؟! كيف يكون الحياد بين الضحية والجلاد؟! اوليس التفرج على وحش يمتص دماء الضحايا يرسخ موقفاً يبتغيه الوحش نفسه؟! تتعدد المرايا عاكسة شتى الصور، فكل صورة تعلن انحيازها، فهذا شاعرُ متكئٌ "على كتف شهيد لوّح للحياة باستحياء" وهذه مرآة لامست ارتعاشات الفن حتى اسالت دمعة لجواد سليم، ولماذا الدموع يا جواد؟ تعكس المرآة الجواب بصوت ابلغ من الكلام، هي الدمعة التي "استقرت على رأس صفاء السراي المشبع بالدخان" فدمعة جواد هي دمعة الفن ورأس "صفاء" هو الرأس الذي يمثل الثورة ورمزها وان ملأه دخان الباطل وقد تكون هذة الدمعة هي الخيط الرابط بين امكنة الوطن في ساحة التحرير او جسر الزيتون، لعلها تشير الى رأب الصدع.."تروف بها جروح الشهداء الغافين على جسر الزيتون" وهذه الريافة تؤكد "ان الاحرار لا يموتون بالمصادفة" وهي تكشف اعماق التاريخ لتخبرنا ان للخيانة جذوراً تمتد حتى ايام جلجامش وان ملائكة السماء تتظاهر تضامناً مع الشهداء ملائكة الارض الذين ضحوا بارواحهم لانهم "يصرون على تمزيق ظلام التوابيت" وهم يمثلون الشعب كل الشعب رجالاً ونساءً، فها هي ذي المرأة تسهم فتحول حجابها ليكون "ضماداً لجروحِ ثائر الطيب" اما المرآة العاشرة فهي ضربة الخاتمة وكانها لملمةٌ وايجاز لكل المرايا وصيحة للاستمرار وتحذير من الشامتين الذين "غطوا النعوش بازهار خبيثة" وقد نُسي الشامتون ان شمس الحقيقة لا تحجب بغربال وان الشعب نحل يميز بدقة بين زهر مزيف خبيث وآخر تفوح منه انوار الحق الني انبثقت من سيل دماء الشهداء مرموزا لهم "بعمر سعدون" الذي حمل الفضلي مراياه لتعكس صورة الدم الوثاب في قصيدة هي واحدة من معلقات شعر الرفض والاحتجاج الذي للفضلي فيه راية بيضاء تحمّر كلما سقط شهيد ليروي بدمه ثرى ارضنا الطيبة.

مشاركة :