تحمل الذاكرة العربية مشاريع ثقافية كبرى راسخة في حياة غالبية الكتاب العرب، ومن ذلك سلسلة عالم المعرفة التي توزع شبه مجاني في كل العواصم العربية، أي بسعر بالغ الرمزية، والسلسلة صدر العدد الأول منها في عام 1978، وأشرف عليها آنذاك، بل حملها في القلب والعينين كل من الشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني، والمفكر المصري د. فؤاد زكريا، وصدر عنها حتى اليوم أكثر من 400 عنوان في الآداب، والعلوم، والتاريخ، والنقد، والفنون، والميثولوجيات، والجغرافيا.. أي إنها سلسلة عالمية غذت العقل العربي بكل أشكال المعرفة الإنسانية الصافية. تحمل الذاكرة العربية أيضاً (الزيارة الشهرية الراقية) لمجلة العربي لكل بيت عربي في سنوات ثقافية ذهبية في الكويت، وإذ نحمل اسم الكويت في الذاكرة الثقافية، فلا ننسى سلسلة المسرح العالمي، وصدر العدد الأول منها في عام 1969، وحملت هذه السلسلة أرفع وأجمل العناوين في المسرح العالمي، وأسست منذ سنوات طويلة لثقافة مسرحية رفيعة عبر ترجمات مهنية متخصصة. هذه الكويت في الذاكرة.. وغيره الكثير الإيجابي والجميل.. ولكن، ما مناسبة هذه الاستعادة؟ تحتفي مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية في الدورة الجديدة من (مهرجان ربيع الشعر) بالشاعر العراقي بدر شاكر السياب، إلى جانب حفاوتها بالشاعر الكويتي سليمان الجار الله في سياق تقليد ثقافي جرت عليه المؤسسة منذ سنوات احتفاء واحتفالاً بشعراء كويتين وعرب في نوع من الوفاء لرموز ساطعة في تاريخ ديوان العرب. إذاً.. يعود بدر شاكر السياب، مرة ثانية، إلى الكويت، ولكن في شكل احتفائي شعري عربي. في ستينات القرن الماضي كان السياب (1926 - 1964) يعاني الأمرين من المرض الذي فتك بجسده النحيل، ولكنه لم يطل إرادته الشعرية وروحه الإنسانية الخلاقة؟ وفي تلك الفترة عمل وزير الصحة الكويتي آنذاك عبد اللطيف الثويني على علاج السياب في الكويت، وبالفعل، قدم صاحب أجمل الشعر عن المطر والإنسان في أقصى درجات ضعفه وقوته معاً إلى الكويت وتلقى العلاج، ولكن شاء قدر هذا الشاعر الذي نقل القصيدة العربية إلى آفاق الحرية الإبداعية، والتجديد الخلاق أن يموت في يوم ماطر في الكويت، ويعود جثماناً محاطاً بالحزن والدموع إلى العراق. لم يعمر السياب، بل لم يعش أكثر من أربعين عاماً، ولكنه ترك تراثاً شعرياً متداولاً إلى اليوم في ديوان العرب، وله إلى جانب ذلك اسمه المضيء في تاريخ الريادة الشعرية العربية المجددة. تذكرت الكويت بدر شاكر السياب، وأعادته حياً بشعره إلى الذاكرة العربية.. وأعادته أيضاً إلى دائرة الاهتمام الشعري الأدبي.. التي - للأسف - تتقلص يوماً بعد آخر. yosflooz@gmail.com
مشاركة :