تعرّف الزائر قبل أكثر من خمس سنوات على خصوصية أسلوب الفنانة الإسبانية ليتا كابيلوت التي تتسم لوحاتها الجدارية بالجرأة والضخامة، في غاليري أوبرا بقرية البوابة في مركز دبي المالي العالمي. وفي كل معرض جديد لها، كانت تفاجئه بمواضيعها التي تتمحور حول البورتريه والشخوص، القريبة من عوالم ما صورته لنا إما رواية البؤساء لفيكتور هوغو أو بورتريهات الفنان الإسباني غويا أو الثقافات الأخرى. والآن تأخذ ليتا زائرها في معرضها الجديد ألوان الندى بالغاليري نفسه، والذي يستمر حتى 14 أبريل المقبل، إلى عالم آخر بعيد عن شجن ذاكرة الحياة، وقريب من روح عوالم المرأة وجمال عمق إيماءاتها وتعابيرها، لتنعكس جرأتها عبر معالجتها للألوان التي تبدو وكأنها تتفجر كالينابيع. ابتكار الألوان تستخلص ليتا عبر براعتها في الرسم الواقعي، من الزائر ما يشبه صكاً منه موقعاً على بياض، حيث يستسلم بتلقائية لمقدراتها، وكثافة ما يختزنه أسلوبها من شغف وطاقة، تتجلى عبر براعتها في ابتكار الألوان، ومهارتها الفائقة في اختزال خامات القماش بأسلوب يجمع بين محاكاة الواقعية الكلاسيكية ومخيلة المبدع. ويعيد الزائر النظر في قناعته السابقة حول عنصر المرأة الأساسي في لوحات معرضها، ليدرك بعد تشبعه بأعاصير محيطات ألوانها، أن البطولة التي ربما شكلت هواجس الفنانة ليتا، تتجلى في تركيب وتداخل الألوان وتمازجها كأنما تحاول استنباط ينابيع جديدة. انهيار المصداقية وسرعان ما تخبو لحظات انبهار الزائر، حينما يتوقف في جولته الثانية أمام إحدى اللوحات بجوار زائر آخر، ليبدأ حواره معه، معرباً عن إعجابه ببراعة رسم الفنانة، فيبتسم الزائر الآخر بهدوء ويقول ما يبدد مصداقيته السابقة ببراعة الفنانة. لا سيما وأنه فنان متمرس أيضاً: هذه اللوحات تجمع بين الصورة الفوتوغرافية لمجموعة النساء، وبناء الفنانة عليها، لتقتصر معالجتها على الألوان، وليغيب أثر الصورة في أسلوب تلوينها لبعض ملامح الوجه والجسد من جهة، ومن جهة أخرى تقنية معالجتها للوحة بأسلوب التعتيق الذي تبني من خلاله طبقة جديدة لماعة فيها تكسرات توحي بتقادم الزمن. قبل الانبهار يرفض الزائر في البداية هذه النظرية، لكنه لا يستطيع منع نفسه من التدقيق في اللوحات عبر جولة ثالثة ليقرأ تفصيل كتب على كل اللوحات وسائط متعددة. وبعد قراءته للكتالوغ الخاص بأعمال معرضها، يتبين أن من كتب عن خصوصية لوحاتها تناول جانب معالجتها للألوان، دون التطرق إلى رسمها للشخوص. وما يؤكد تلك النظرية بعض لوحات البورتريه التي رسمتها قبل سنوات بالأسلوب الانطباعي الذي يعنى بالأثر النفسي بعيداً عن محاكاة الواقع في رسم الملامح. وعليه يدرك الزائر أن عليه الاستزادة من ثقافة الفن وقراءة تفاصيل اللوحات قبل الانبهار بها. سيرة ليتا تعيش ليتا كابيلوت المولودة في برشلونة عام 1961 بهولندا، وعاشت بعد يتمها في كنف عائلة أخذتها إلى متحف برادو المدريدي، الذي ساعدها على اكتشاف ولعها بالفن والألوان، لتقدم أول معرض فردي لها حينما كان عمرها 17 عاماً فقط.
مشاركة :