جلست تانيا بارفين على السرير الأبيض بمستشفى صغير في بنغلاديش وقد غطت الحروق الجانب الأيسر من وجهها والجزء العلوي من جسمها بعد أن صب عليها زوجها حمض الكبريتيك الحارق (يعرف بين العامة باسم الأسيد أو ماء النار) عقب مشادة حامية بسبب غاية في التفاهة. 3625 شخصاً أصيبوا في اعتداءات بماء النار من بينهم 1847 امرأة وفتاة وقام الجيران الذين سمعوا صراخ تانيا(25 عاما) بنقلها إلى مستشفى كلية دكا الطبية؛ حيث تم تنويمها وتضميد حروقها. ووقع الحادث أثناء توجه الزوجة المسكينة إلى صلاة العشاء. أما الندوب البشعة في وجه نور بانو فستبقى كتذكار قاس ودائم لتلك اللحظة التي قام فيها زوجها بقذف ماء النار على وجهها. المرأة تُعامل على أنها «سلعة».. وبعض الأزواج يمنحون أنفسهم الحق في انتهاك حقوقها وكانت نوربانو قد طلقت زوجها الخائن والعنيف بعد أن ضبطته متلبسا في علاقة حميمة مع امرأة أخرى. وبعد مضي ثمانية أيام، كانت نوربانو تطبخ الطعام بمنزلها في بنغلاديش عندما أتى طليقها ورش وجهها بالحمض، الأمر الذي حولها إلى عمياء ومشوهة. ويتوجب على المرأة البالغة من العمر 36 عاما الآن أن تتحمل العيش مع زوجها السابق مرة أخرى بعد أن أرغمتها والدته على التوقيع على تعهد بإخلاء سبيله من السجن عقب الاعتداء. وكان زوج نوربانو الذي عاش معها طوال 18 عاما، قد توارى عن الأنظار عقب قيامه بتشويه وجه زوجته السابقة، إلا انه تم اعتقاله بعد عشرة أشهر وحكم عليه بالسجن لمدة عام. وتقول نوربانو، وهي من منطقة ساتخيرا بجنوب غربي بنغلاديش،"عملت والدته على إخراجه من السجن بكفالة مالية، وحملتني على التوقيع على إقرار مشفوع باليمين ثم استخدمت أطفالي لحملي على الاقتران به مرة أخرى. ويتوقع الناس أن يعتني الزوج بزوجة عمياء ولكن هذا لم يحدث معي". وقالت نوربانو أيضا إن زوجها يواصل ضربها وتهديدها، وأضافت: هكذا تمضي أيامي معه". وتعد تانيا ونوربانو من بين 3625 شخصا وقعوا ضحايا للهجوم بالحمض في 3270 حادثا بين عامي 1999 و2015. ومن بين هؤلاء الضحايا 1847 أنثى و901 ذكر و877 طفلا وفقا لأرقام "مؤسسة أحياء الهجوم الحمضي" (أيه اس اف)، كما تسبب الهجوم الحمضي في انتحار 301 امرأة في العام الماضي، وفقا لإحصاءات الاتحاد الوطني للمحاميات البنغاليات. وتقول سيلينا أحمد المدير التنفيذي لمؤسسة (أيه اس اف): إن العنف ضد النساء يتواصل بلا انقطاع بسبب الجهل وقلة التعليم وعدم المساواة . ومن بين أهم الدوافع للهجوم بالحمض المنازعات المالية(بسبب المهر أو الأرض) ورفض الخطبة أو الزواج، والمشاجرات الزوجية. وتشير أبحاث مؤسسة (أيه اس اف) التى شملت العديد من ضحايا الاعتداء بالحمض والبنزين في البلاد على مدى السنوات الست عشرة الماضية، إلى أن أكثرية الفتيات والنساء الضحايا ذقن الأمرين على أيدي رجال ينظرون إليهن على إنهن "سلع" ويعتقدون أنهم معذورون إذا ما انتهكوا حقوقهن. وتمضي سيلينا قائلة، "لن نحصل على مجتمع لا يتسامح قط تجاه العنف ضد النساء إلا من خلال تمكين المرأة وتحقيق المساواة لهن". وتضافرت جهود مؤسسة (أيه اس اف) مع "منظمة الخدمات التطوعية وراء البحار" ، التي تدعم المؤسسة من خلال تدريب الأطباء المحليين على علاج الحروق وتقديم خدمات استشارية قانونية، وتقديم الدعم النفسي لتخليصهن من الأذى الذي ينتج عن الوصمة الاجتماعية. كما تعمل المؤسسة توفير أماكن إيواء آمنة للضحايا، وتدريبهن على صنع ملابس تساعد في التخفيف من الندوب، ليقمن ببيعها لكسب قوتهن. ووفقا للمؤسسة، فإن ضحايا الهجمات من الحمض نادرا ما تتوفر لهن فرص الحصول على عمل. كما تفقد الفتيات غير المتزوجات اللواتي يتعرضن لمثل هذه الهجمات أي فرصة للزواج في المستقبل. وبجانب الندوب الظاهرة للعيان والتي يخلفها الحمض، فإن ضحايا الهجوم يعانين من آلام نفسية لا تطاق، بجانب العزلة والنبذ الاجتماعيين. وينحى الخبراء باللائمة في تدني مكانة المرأة في بنغلاديش على تكرار الهجمات المثيرة للقلق. ويقوم المهاجم بقذف حمض الكبريتيك في وجه وجسد الضحية و/ أو أعضائه التناسلية، ما يسفر عن تشوه وندبات دائمين. ويتم استخدام حمض الكبريتيك على نطاق واسع في بنغلاديش، إذ يدخل في صناعة الملابس ويسهل الحصول عليه بثمن زهيد. وفرضت الحكومة البنغالية قيودا جديدة على بيع الحمض في محاولة للحد من عدد الهجمات. غير أن الناشطين ينادون بضرورة بذل المزيد من الجهد لتعزيز حقوق النساء في بنغلاديش لتخليص البلاد نهائيا من الهجمات بالحمض. وشهد شهر مارس الحالى انعقاد "المؤتمر الوطني لأحياء الهجوم الحمضي 2016" الذي نظمته مؤسسة (أيه اس اف) في دكا العاصمة وشاركت فيه العديد من ضحايا الهجوم بالأسيد وهن يتعهدن بشن الحرب على العنف الحمضي والعمل على كسبها وناشدن الحكومة أن تدعمهن. وتشير المؤسسة إلى أن عدد ضحايا الهجمات بالحمض في بنغلاديش آخذ في الانخفاض نتيجة للجهود الحكومية والمنظمات الخيرية والمتبرعين ومنظمات التنمية الدولية التي تصدت للمشكلة، ولكنها مع ذلك تؤكد على أن هناك الكثير من العمل المتبقي. غير أن سيلينا تقول إن العنف ضد النساء المتمثل في الهجمات بالحمض لن يتم استئصاله إلا إذا تمتعت النساء بكامل حقوقهن.
مشاركة :