لا يزال عشرات الآلاف من العائلات في إسرائيل وفلسطين تفجع لخسارة أحبائها حتى اليوم (الأحد)، وذلك بعد مرور 100 يوم من هجوم حماس غير المتوقع على جنوب إسرائيل، التي ردت بدورها بشن حملة عسكرية كبيرة على قطاع غزة. ورغم الدعوات المتكررة من المجتمع الدولي لإنهاء دائرة العنف المستمر والعودة إلى السلام، فإن الصراع بين إسرائيل وحماس، الذي هز المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، لا يظهر أي علامة على التهدئة في أي وقت قريب. في الصورة الملتقطة يوم 11 يناير 2024، قوات إسرائيلية تنفذ عمليات عسكرية في قطاع غزة. (شينخوا) --مرحلة جديدة للجيش الإسرائيلي بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على بدء الصراع، سحبت إسرائيل بعضا من جنودها من قطاع غزة استجابة لطلب الولايات المتحدة بتقليص عملياتها البرية والجوية واسعة النطاق، وحماية المدنيين في القطاع الفلسطيني. وفي 7 يناير الجاري، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في تصريحات لصحيفة ((وول ستريت جورنال)) الأمريكية إن الجيش الإسرائيلي سينتقل قريبا من "مرحلة المناورة المكثفة للحرب" إلى "أشكال مختلفة من العمليات الخاصة" في شمال غزة. وتواصل إسرائيل عملياتها البرية وقصفها، الذي يبدو أقل كثافة من ذي قبل، مع تركيزها على المنطقة الجنوبية من قطاع غزة، حيث تقطعت السبل بجزء كبير من السكان بعد تهجيرهم من الشمال ومناطق أخرى. وبحسب الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة في قطاع غزة، فقد تجاوز عدد الجرحي الفلسطينيين حتى الآن 60 ألفا، فيما ترتفع حصيلة القتلى في القطاع والتي بلغت بالفعل أكثر من 23700. ويقول المحلل السياسي الفلسطيني فراس ياغي إن الجيش الإسرائيلي يسعى في ظل الضغط الأمريكي إلى التقليص التدريجي لكثافة عملياته العسكرية في قطاع غزة في 2024، ولكن أمد الصراع قد يطول. وخلال زيارة إلى الضفة الغربية في 7 يناير، قال رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي إن الصراع في غزة سيستمر على الأرجح طوال عام 2024. كما حذر هاليفي من احتمالية تصاعد العنف "في جبهات أخرى، وخاصة في الضفة الغربية"، مضيفا أن جيش الدفاع الإسرائيلي سيزيد "الضغط الذي يمارسه" على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان، حيث يتبادل إطلاق النار مع حزب الله، وهو ما أدى إلى تفاقم التوترات بين إسرائيل ولبنان في الأشهر الأخيرة. في الصورة الملتقطة يوم 9 يناير 2024، أطفال يقفون أمام مبنى متضرر في مخيم جباليا للاجئين شمالي قطاع غزة. (شينخوا) --تزايد الضغوط على إسرائيل في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، فإن إسرائيل تتعرض لضغوط متزايدة على المستويين الدولي والمحلي. وتشير إحصاءات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن نحو 1.9 مليون شخص من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة قد نزحوا حيث دمر القصف الإسرائيلي أحياء بأكملها في القطاع. وفي 22 ديسمبر الماضي، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا رئيسيا يهدف إلى تعزيز تدفق الإمدادات الإنسانية إلى غزة بعد أسبوع من المفاوضات والتعديلات الجوهرية. وجاء ذلك في أعقاب قرار تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر الماضي يطالب "بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية" في غزة. أما بالنسبة للولايات المتحدة، التي من المنتظر أن تشهد سباقا متقاربا في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فيرى ياغي أنه من المتوقع أن تمارس إدارة الرئيس جو بايدن مزيدا من الضغوط على إسرائيل للفوز بالناخبين غير الراضين عن الموقف الأمريكي بشأن الصراع في غزة. وفي إسرائيل، يعتقد الكثير من مواطنيها أن جهود رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للضغط من أجل إدخال إصلاحات قضائية، قد تسببت في فوضى في البلاد ومنحت حماس فرصة للهجوم، وأن الطريقة التي تعاملت بها الحكومة والجيش مع قضايا مثل إنقاذ الرهائن ليست مرضية. ورغم استمرار الغارات الجوية والعمليات البرية الإسرائيلية، فإن 132 من بين 253 رهينة اختطفتهم حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى في 7 أكتوبر، ما زالوا محتجزين في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، لا يزال المسلحون الفلسطينيون قادرين على إطلاق الصواريخ على إسرائيل. ويضيف ياغي أنه في مواجهة ضغوط المجتمع الدولي وانتقاداته، تبحث إسرائيل عن خطط بديلة لتحقيق أهدافها من خلال القتال في مناطق محددة من قطاع غزة. في الصورة الملتقطة يوم 12 يناير 2024، يمنيون يشاركون في مسيرة في العاصمة اليمنية صنعاء. (شينخوا) --توسع الصراع منذ بداية هذا العام، تصاعدت التوترات في منطقة الشرق الأوسط نتيجة لامتداد الصراع بين إسرائيل وحماس. وفي 2 يناير الجاري، أسفرت غارة شنتها إسرائيل من طائرة بدون طيار على الضاحية الجنوبية لبيروت، أحد معاقل حزب الله، عن مقتل صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إلى جانب ستة أعضاء آخرين في الحركة الفلسطينية المسلحة. وبعد تلك الغارة، حذر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في اليوم التالي من أن جماعته "لا يمكنها السكوت"، حيث ندد بالهجوم ووصفه بأنه "جريمة خطيرة". كما تعهد نصر الله بالانتقام، وهدد إسرائيل بأنها ستواجه حربا لا هوادة فيها في حال شنها عملية عسكرية أوسع نطاقا على الحدود مع لبنان. ويقول إيال بينكو، الخبير في شؤون الاستخبارات والأمن القومي بمركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية في إسرائيل، إن الغارة الإسرائيلية ضد أحد كبار قادة حماس داخل لبنان لا يمكن أن تمر في صمت، مضيفا أن "حزب الله سينتقم بطريقة أو بأخرى، لا بد له من ذلك، ولن يكون هناك طريقة أخرى". وفي الوقت نفسه، صعّدت الميليشيات المحلية في العراق هجماتها على القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، مما أدى إلى شن الولايات المتحدة ضربة انتقامية في بغداد في 4 يناير الجاري، والتي أسفرت عن مقتل زعيم جماعة "حركة النجباء" المتواجدة في كل من العراق وسوريا. وفي تطور آخر مثير للقلق في البحر الأحمر، شنت جماعة الحوثي العسكرية، التي تخوض حربا أهلية مع القوات الحكومية اليمنية، هجمات باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ في البحر الأحمر ضد سفن شحن لها صلة بإسرائيل، وذلك ردا على الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. ودفعت هجمات الحوثيين الولايات المتحدة وبريطانيا إلى شن ضربات جوية على أهداف للجماعة المسلحة اليمنية يومي الخميس والسبت. وتوعدت قيادة جماعة الحوثي بشن هجمات انتقامية قريبا. وفي هذا السياق، قال خالد خياري، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، أمام مجلس الأمن يوم الجمعة: "إننا نشهد دائرة من العنف تهدد بتداعيات سياسية وأمنية واقتصادية وإنسانية خطيرة في اليمن والمنطقة".
مشاركة :