مرة أخرى تعود إلى الواجهة التحركات المناهضة لفساد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق والقائمة على نظام المحاصصة الطائفية، من خلال الحشود التي تتجمع على مشارف ما تعرف بالمنطقة الخضراء، حيث تقيم النخبة السياسية، وهو، بذاته، امتياز تمنحه هذه النخبة لأفرادها، حماية لهم مما يدور في بقية بغداد وفي كافة أرجاء العراق من إرهاب وتفجيرات وعنف. كانت تحركات مشابهة قد اندلعت قبل شهور في ساحة التحرير ببغداد، أطلقت الدعوة إليها وقادتها القوى المدنية، غير الطائفية، وقد تزامنت، مصادفة على الأرجح، مع التحركات الشعبية الواسعة في لبنان يومها احتجاجاً على تراكم النفايات في العاصمة بيروت، واتخذت عنواناً مشابهاً: رفض فساد النخبة السياسية المنتفعة من المحاصصة الطائفية. وقد نُظر إلى التحركات في البلدين كإشارات إيجابية على قدرة القوى غير الطائفية على تقديم البديل لما آلت إليه الأوضاع بسبب سياسات تلك النخب المنتفعة والمتكسبة من المحاصصة الطائفية، والتي تحرص هذه النخب في حالات كثيرة على إضفاء الطابع المذهبي عليها. ثمة جديد في تحركات بغداد التي تجددت، ففي المرة الأولى كانت القوى المدنية هي من أطلقت الاحتجاجات في ساحة التحرير، وبعد ما أظهرته من استمرارية وثبات، دعا الزعيم الديني مقتدى الصدر قاعدته الشعبية، الكبيرة ولا شك، للانخراط فيها. ويومها نشأت المخاوف من أن يؤدي هذا إلى المساس بالطابع المدني، غير الطائفي، لتلك التحركات كون مقتدى الصدر نفسه أسيراً للتكوين الفئوي لشخصه ولقاعدته الاجتماعية، حتى وإن كانت هذه القاعدة هي الأكثر فقراً وانسحاقاً، هي الآتية في الأغلب من مدينة الثورة المعدمة، التي أطلق عليها مناصروه مدينة الصدر. هذه المرة بدت الصورة عكسية، فبعد انحسار التحركات السابقة فإن الصدر هو من بادر ودعا للحشود الجديدة بمحاذاة المنطقة الخضراء، وتحت شعارات مشابهة لتلك التي رفعت في ساحة التحرير، أي فضح فساد النخبة السياسية الحاكمة والمطالبة برحيل وزرائها، والمجيء بحكومة من التكنوقراط الأكفاء، مع أن التحرك لم يعد محصوراً في مناصري مقتدى الصدر، إنما انضمت إليه قوى مدنية وشعبية تتبنى مطالبه. المحظور الذي نشأ في المرة الأولى حين التحق مناصرو الصدر بالمحتجين في ساحة التحرير، من أن يؤدي ذلك إلى طمس الطابع المدني للتحرك، بالنظر للكثرة العددية لهؤلاء الأنصار، يَمثُل اليوم أيضاً، خاصة أن الصدر نفسه هو من دعا إليه ويملك سلطة توجيهه، ما يضع على عاتق القوى المدنية العراقية أن تكون لها كلمتها المتميزة والمؤثرة، فالعبرة ليست بمشروعية المطالب وحدها، وإنما أيضاً في رؤية وبرنامج من يرفعها. madanbahrain@gmail.com
مشاركة :