في انتظار التلميذ العاشر، تبدأ رواية عساكر قوس قزح، الرواية الأولى للكاتب الإندونيسي أندريا هيراتا. وزارة جنوب سومطرة للتربية والتعليم أصدرت بياناً تحذيرياً: إذا قل عدد تلاميذ مدرسة المحمدية الابتدائية الجدد عن العشرة، ستقفل. ومدرسة المحمدية مثل آلاف المدارس في إندونيسيا، لو نطحها تيس مهتاج لتهدمت وانهارت. وهي الأفقر على الإطلاق، عمرها مئة عام، ولا تحتوي على شيء مما تحويه المدارس سوى اللوح والطباشير الرخيص، سقف مهترئ ومعلمين متفانين وعشرة طلاب. لكن المؤلف الذي نسج حكايته على غرار السيرة الذاتية سيجعل القارئ يفتح قلبه في كل مرة تتعرض فيها مدرسة المحمدية لخطر لكي يخبئها فيه. السر الأول يكمن في معلمين هما باك هرفان وبو مس. معلمان لجميع المواد والمراحل، رجل خدم في التعليم عشرات السنين بلا مقابل وأعال أهله من نتاج محاصيل حديقة في فناء بيته، وتنشق ما يكفي من غبار الطباشير الرخيص حيث مرض ومات مبكراً، لكن ليس قبل أن يقنع تلامذته بأن المعرفة تتعلق باحترام الذات. وشابة تتطلع للقيام بنفس دور ذاك المعلم وبنفس الروح والصلابة. (كان باك هرفان وبو مس معلمينا، وصديقينا، ومرشدينا الروحيين. أريانا كيف نصنع بيوت الدمى من الخيزران، كيف نتوضأ قبل الصلاة، نفخا الهواء في دراجاتنا، امتصا السم من سيقاننا عندما تلسعنا الأفاعي، ومن وقت لآخر قدما لنا عصير البرتقال الذي يعصرانه بأيديهما، كانا بطلينا المجهولين، وبئرين ينضحان بالمعرفة في حقل جاف مهجور). والسر الثاني في الأطفال العشرة، أحدهم هو الكاتب نفسه، وربما العاشر السارد للحكاية الذي لم يحظ كتابه باهتمام على المستوى النقدي كما تمنى، لكنه باع مليوني نسخة، وترجم لعدة لغات. أما بقية عساكر قوس قزح فهم: لينتانج الصبي، الذي أرسله أبوه حاملاً قلماً من النوع الذي يستخدمه الخياطون ليحددوا العلامات على الأقمشة، مع ذلك كل ما سيكتبه هذا الصبي هو ثمرة ذهن متقد، سيظهر عبقرية كبيرة في كل العلوم وخاصة الرياضيات. لينتانج العبقري سيصبح سائق شاحنة، نحيفاً وفقيراً وقذراً وأعزب ويعاني من سوء التغذية. لكنه سيظل حاضر الذهن، وإن خبا بريق عينيه مثل الرخام المكدر بالرمل. أكيونغ، الفتى الكونفوشيوسي الذي يدرس في مدرسة المحمدية الإسلامية لأنه فقير جداً ويعجز بسبب فقره عن بلوغ مدرسة أخرى. كوتشاي الصبي الوديع، صاحب الوجه اللطيف، والمظهر الذكي، لكنه ليس ذكياً. المزيج الذي تتكون منه خصائص كوتشاي: الانتهازية، والأنانية، شيء من الخداع، فضلاً عن تصرف العارف، والصفاقة، هذا المزيج استوفى في مجمله جميع الشروط ليكون عريف الصف.ومن اللحظة التي أدرك فيها كوتشاي أن لديه مميزات ، امتلك تطلعاً واضحاً، أن يصبح عضواً في الجمعية التشريعية الإندونيسية. تراباني، الأمير، الذي يجلس عند الزاوية، وجه وسيم، من الفتيان الذين تقع البنات في غرامهم من النظرة الأولى. شعره وبنطاله وحزامه وجواربه وحذاؤه اللامع لطالما بدا كل ذلك نظيفاً ومهندماً ولا تشوبه شائبة. فاحت منه دائماً رائحة طيبة، وحتى قميصه لم يحدث أن نقص منه زر واحد. سهارى، البنت الوحيدة في الصف، حازمة ومباشرة، ولا تكذب قط، هارون المصاب بمتلازمة داون، بوريك الذي يحمل لقب شمشون، المهووس بكمال الأجسام والذي لن يتمكن من تحقيق حلمه في أن يصبح قاطع تذاكر في السينما، ومهار الموهوب بالغناء، المهووس بعوالم الغيب. في إحدى الأمسيات، بعد يوم حافل بالمطر الغزير، افترش السماء من ناحية الغرب قوس قزح مثالي، تجلى على شكل نصف دائرة باهرة الإشراق تضم سبعة أطياف من اللون. انبثق من دلتا الجينتانغ مثل سجادة متلألئة وامتد ليزرع نفسه في غابة الصنوبر عند جبل سوليمار. (وأصبحت عادة لدينا أن نتسلق الشجرة بعد كل عاصفة ماطرة بحثاً عن قوس قزح. ولهذا السبب، أطلقت علينا بو مس اسم عساكر قوس قزح) تقع مدرسة المحمدية في جزيرة بيليتونج الصغيرة والأغنى في إندونيسيا بسبب كميات القصدير الهائلة في أعماقها. (تحت البيوت القائمة على الركائز حيث عشنا حياتنا المحرومة، قبعت طبقات وطبقات من الثروة. وكنا، نحن، أهالي بيليتونغ مثل مجموعة جرذان تتضور جوعاً في مخزن يغص بالأرز.). جاء التهديد الأول الذي عرض مدرسة المحمدية لخطر الإغلاق بسبب قلة عدد الطلاب، أما التهديد الثاني، فتمثل في رغبة مفتش المدارس العام في إغلاق المدرسة بسبب حالتها المزرية. لكن ذروة القصة تبدأ مع التهديد الثالث والأخير، عندما أشارت خريطة في مكتب مسح الأراضي التابع لإحدى الشركات إلى مدرسة المحمدية. وتلقت المعلمة رسالة، عما قريب تأتي ثلاث جرافات لتبدأ أعمال التنقيب عن القصدير تحت المدرسة. تحملنا الرواية إلى أجواء بلاد آسيا، البلاد التي تمتزج فيها الأساطير والألوان بالأديان والبشر بشكل كرنفالي مثالي. على خلفية البؤس الذي أورثته ثلاثة قرون ونصف القرن من الاستعمار الهولندي والياباني الذي رحل ولكن رحيله لم يكن النهاية السعيدة بالنسبة للسكان. وتنتهي بالإصلاحات التي طالب شعب إندونيسيا بها في عام 1998 عندما أسقط الطلاب الرئيس سوهارتو، الذي قضى في الحكم اثنين وثلاثين سنة.
مشاركة :