في الوقت الذي يشكك عدد من المثقفين في وجود «مفكر» سعودي أو صاحب مشروع فكري قادر على ارتداء «جبة» الفكر، واعتمار تاجه، يصف نحو 100 مغرد عربي، أنفسهم بـ «المفكر» على وجه الصفحة التعريفية الخاصة بهم في موقع التواصل «تويتر»، إضافة إلى استسهال الكثير من المثقفين إطلاق اللقب «الأسهل» نطقا على ألسنتهم مديحا ومحاباة بين بعضهم البعض، تزلفا ومديحا، أو رغبة منهم في إطلاق الممدوح اللقب ذاته عليه. مجانية لقب «المفكر»، وحتى إلحاق وصف «الكبير» بالعديد من الشعراء من الكتاب والصحفيين، أدخلت المجتمع في دوامة من زيف، ضاع داخلها مستحقو اللقب مع من لا يستحقه، وسط إعصار «الزيف المعلب»، بين ممدوح يرى نفسه أهلا لهذا اللقب، ومادح لا يملك القدرة العلمية والفكرية لإطلاق اللقب، أو إضفاء صبغة «الفكر» و«الكبر» على من أعجب به. وقال الدكتور عبدالله مناع إن «مجانية الألقاب أصبحت صبغة مسيئة جدا لمن يستحق ومن لا يستحق، ونوعا من أنواع المديح داخل عباءة تبادل المصالح والتوصيف»، وأضاف: «هي مسألة أخلاقية ومسألة فهم، فالذين يطلقون هذه التوصيفات، الحقيقة هم ليسوا مؤهلين؛ لأن يمنحوا هذه الألقاب، فهم لا يملكون من المعرفة أو من العلم ما يمكنهم من أن يصفوا به فلانا بأنه مفكر كبير». ويوضح مناع أنه «في ظل عدم وجود معيارية لإطلاق مثل هذه المسميات والألقاب، أصبح المجتمع في أزمة جديدة، إضافة إلى أزمة الخوف من الجهر بالرأي، الأمر الذي يمكن المتلقين من وصف المثقفين بـ «المفكر»» مشددا على أن «هذه من سمات المجتمعات الجاهلة، التي تصف كل من قال كلمتين بـ «المفكر»، نحن ما زلنا متخلفين، رغم التطور التكنولوجي، في مجتمع لا يعترف بوجود سينما أو مسرح أو موسيقى». ويرى مناع أن «المجتمع الثقافي السعودي يوجد به مفكرون عدة كأمثال، محمد حسن عواد، وعبدالله عبدالجبار وحمد الجاسر، وحمزة شحاتة، وغازي القصيبي، وعبدالله القصيمي رغم ما أثير حوله من (بروبغندا)». أما الناقد الدكتور سحمي الهاجري فقال «ليس مجرد من يمارس التفكير في كل شؤون الحياة يعتبر مفكرا؛ فمصطلح المفكر الفذ المنتج للأفكار معناه أنه أدرك الفلسفة بمدارسها وجميع المدراس الفلسفية وتاريخ العلوم وتاريخ الأديان واستطاع أن يكوّن له رصيدا كاملا، وأدوات كاملة عندما يمارس عملية التفكير بنتاج جديد، أما من يوصفون أنفسهم بأنهم مفكرون فلا نستطيع فهم ذلك، فكل ما يطرح من بعضهم مجرد لمحات فكرية». وعن لقب مفكر ومن يرى أنه يستحق أن يطلق عليه قال: «لا يحضرني أحد الآن». فيما يرى الروائي والكاتب سعيد الأحمد أنه «في البدء مصطلح مفكر مصطلح مربك جدا ومتسع، لا نستطيع أن نضع له أطرا محددة، وهذا يجعله عرضة للاستعمال والإساءة إليه هنا وهناك». واستطرد متسائلا «هل كل من كتب مجموعة أفكار ورؤى خارجة عن النسق الاجتماعي قليلا، أو كل من كتب مجموعة عبارات يعتبر مفكرا؟! بالطبع لا.. المفكر صاحب دراسات وبحوث وإنتاج محدد، وهو معني بإنتاج الفكر الجديد والطرح المختلف بعلمية جادة، فهو بالضرورة قارئ منتج قبل أن يصدر كتابا واحدا». وعن من يصف نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه مفكر شدد سعيد الأحمد على أن «الألقاب رخيصة في عالم تويتر مثلا، ومجانية أيضا، فهو عندما يكتب جملة وتغريدة لا تتجاوز 140 حرفا ويصفق له المتابعون يعتبر نفسه مفكرا، ففي هذا الحالة يصبح كل من يغرد ويكتب بتويتر مفكرا وسياسيا ومحللا وما إلى ذلك، فالمفكر مصطلح عريض ومن الصعب منحه أي كاتب أو مثقف».
مشاركة :