«رافيل» رواية للكاتب الفرنسي جان إشنوز ترجمها إلى العربية وليد السويركي وصدرت عن مشروع «كلمة» للترجمة - أبوظبي. وتأتي هذه الرواية ضمن سلسلة ترجمات الأدب الفرنسيّ التي يشرف عليها ويراجعها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم في باريس كاظم جهاد. والكتاب واحد من ثلاثة كتبٍ لإشنوز يقدّمها مشروع «كلمة» بصورة متزامنة، صاغ فيها الكاتب بلغة الرّواية وإجراءاتها سيَرَ ثلاثة من أعلام العصر الحديث: المؤلّف الموسيقيّ الفرنسيّ موريس رافيل («رافيل»)، والعدّاء التشيكيّ إميل زاتوبيك («عدْو»)، والمخترع ومهندس الكهرباء الصربيّ- الأمريكيّ نيكولا تسْلا («بروق»). عندما أصدر جان إشنوز روايته الأولى «توقيت غرينيتش» في 1979، كانت الساحة الأدبية الفرنسية تعيش تساؤلات حادّة عن «نهاية» فنّ الرّواية. وأمام الباب شبه المسدود الذي انتهت إليه الكتابة الروائيّة بعد مغامرة «الرواية الجديدة»، انخرط إشنوز، هو وبقية روائيّي ثمانينات القرن العشرين وسابقوهم المباشرون من أمثال لوكلوزيو وموديانو، في مغامرة العودة إلى الرواية بمعناها الأصليّ، مكتوبةً بوسائل جديدة، وسعوا إلى ردّ الاعتبار للتخييل والسّرد. أمّا كتابه هذا، الذي يشكّل أنموذجاً دالّاً على أسلوبه المتقشّف والباروكيّ في آنٍ، ففيه يستحضر بصورة مكثّفة تجربة المؤّلف الموسيقيّ الفرنسيّ الشّهير موريس رافيل (1875-1937)، مركّزاً على السنوات العشر الأخيرة من حياته. من هذه الحياة المجيدة، على إيجازها النسبيّ، آثر الروائيّ معالجة السنوات العشر الأخيرة، لأنّها بالفعل حافلة بكلّ تناقضات حياة الجسد والرّوح. الهشاشة التي تتخفّى وراء العبقرية وتغذّيها، ولحظات الوجود العاديّ وما يتخلّلها من سأمٍ متسلّط. حادث السّير الذي طبعَ بالثّقل سنواته الأخيرة وتضافرَ مع آلام سابقة ليمنع المؤّلف الموسيقيّ الكبير من إيجاد شكل لحدوسه الفنيّة، بقيت على هيئة مشاريع وسوانح وأطياف تداعب خياله وتؤرّقه. أثر الأدوية والاعتلال على روح قويّة طامحة، وصبْر الفنّان الكبير على تلاعب بعض العازفين بموسيقاه، ويقينه أنّ عمله منذور للأجيال القادمة وأنّه، في جوهره، لا يُمسّ. ومحنة الذاكرة واضطراب حركات الفنّان الجسدية، هذا كلّه يسهب الكاتب في وصفه ببراعة وإلماح، في حين يقدّم لنا موتَ الفنّان في سطور ختاميّة قليلة، متسارعة، تضعنا في مواجهة وقعه الصاعق ومفاجأته.
مشاركة :