تمرّد أمهات على المناهج حفاظاً على مستقبل الصغار وأعصاب الكبار

  • 3/31/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

إنها حركة عاتية. بدايتها جاءت قوية مفزعة، ووقودها القاصي والداني. وعلى رغم فحواها المثير للقلق، وإطارها الداعم للشغب، إلا أن الجميع اتفق على سمو غايتها ورفعة مقصدها. أشعلت فتيلها الأول النساء، ثم انضم إلى ركبها ملايين الصغار، إن لم يكن بالفعل والمشاركة فبالتمني والمباركة. يبقى الرجال خارجها حتى إشعار آخر، وربما هذا ما يعطيها زخمها، ويلفت الأنظار إلى تفرّدها، ويقود المهتمين إلى محاولة فهم أبعادها. إنها حركة «تمرّد» هادرة. وحدّت صفوف الفرقاء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما. بل ضمت بين جوانبها من لا تنتمي إلى اليمين، ولم تسمع عن اليسار، لكنها وجدت نفسها مفعمة بالإيمان بالغرض من التمرّد والغاية من الرفض والتنديد والشجب والتشهير. على مدار الساعة ومنذ انطلاق الحركة التمرّدية، وأمهات مصر وأطفالهن يشهّرون بمناهج التربية والتعليم المتراوحة في نعوتها بين «العقيمة» و «السقيمة» و «السخيفة». فسخافة جانب غير قليل من المناهج دفعت مجموعة من الأمهات إلى تدشين صفحة على فايسبوك اسمها «تمرّد على المناهج الدراسية» وشعارها «عاوزين دراسة ممتعة مش حشو مخ وكلكعة». الصفحة انتشرت في أرجاء مصر انتشار النار في هشيم المناهج الدراسية العقيمة. وقد دفع عقم المناهج أحدهم إلى رسم كاريكاتور يبيّن «دخول» التلامذة إلى الكتاب المدرسي ثم «خروجهم» من الجهة المقابلة وقد تحولوا إلى حمير، ما أدّى إلى خلو عدد كبير من المدارس من تلامذتها، إذ يمضون أوقاتهم في مراكز الدروس الخصوصية حيث يتمّ حشو أدمغتهم بكم هائل من الحفظ والبصم وتأهيلهم لتفريغ هذه الكميات على ورقة الامتحان، فلا يبقى منها لدى الصغار إلا أقل القليل، وذلك استعداداً لحشو العام المقبل. هكذا، بلغت أمهات كثيرات ما يشبه حالة الانفجار، لا سيما أنهن المسؤولات عن مذاكرة صغارهن، وهذه المسؤولية تؤدّي إلى ثلاث نتائج لا رابع لها. نهى حسين (32 سنةً) أم لابنتين في الصفين الثالث والخامس الابتدائيين. تقول أنها أوشكت على الجنون، فـ «المذاكرة أقرب ما تكون إلى التعذيب الفكري والعصبي والنفسي لنا جميعاً. المناهج محشوة حشواً فارغاً، وتخلو من الإبداع أو الجاذبية أو الحداثة، لذا يرفضها الصغار رغماً عنهم». وتضيف: «على رغم أنني أتفهّم موقف ابنتيَ تماماً، إلا أن ليس أمامي سوى إجبارهما على الحفظ والبصم ضماناً للنجاح». وتتابع: «النتيجة عقب كل أمسية مذاكرة هي إما صراخ وبكاء صادرين عن ثلاثتنا، أو معاقبتهما بعدم حل الواجب وهو ما يفرحهما كثيراً، لكن ينجم عنه عقاب أشد من المعلمين ينعكس واجبات أكثر في اليوم التالي، أو توسيع قاعدة الصراع وانضمام زوجي إلى المعركة حيث يتهمني بأنني أقهرهما وأعذبهما فأشعر بالظلم والغبن، وتتحول المسألة إلى معركة زوجية عارمة».   «فكرة عبقرية» صفحة التمرّد على المناهج الدراسية قوبلت بترحيب عارم. فقد جذبت حوالى 24500 متابع خلال أيام قليلة. كما ذاع صيتها في أوساط الأمهات في شتى مدارس مصر ومنازلها. كثيرات يتحدّثن عنها، وعن الفكرة العبقرية، ألا وهي إطلاق محاولة شعبية لإصلاح حال التعليم المائل منذ عقود، وتصحيح مسارات تحديث المناهج «المظهري» منذ أعوام. يتضمّن كتاب اللغة العربية لصف السنة الأولى الابتدائي، درساً عنوانه «بسمة والأسد». وهو حول الطفلة بسمة التي تذهب إلى حديقة الحيوان، وتحديداً إلى بيت الأسد، حيث تجده يزأر. فما كان منها إلا أن سألت المعلّم: لماذا يزأر الأسد؟ فردّ: هيا نفكّر يا بسمة. وأخذت بسمة تفكر وتفكر. أما المعلّم فقد سأل: هل عرفتم لماذا يزأر الأسد؟ وانتهى الدرس وبسمة مستمرة في التفكير، والمعلم مستمر في سؤاله، والصغار في حيرة من أمرهم، والأمهات يشددن شعورهن تارة من الغيظ، وأخرى لعدم القدرة على إيصال الفكرة إلى صغارهن، ربما لعدم وجود فكرة أساساً. ويقوم أساس المناهج الدراسية الحديث في البلدان التي حققت تقدّماً بفعل نظم التعليم المدرسي، على اكتــساب الصغار خبرات ضرورية في الحياة، وليـــس مجرّد حشو الأدمغة بمعلومات ودروس. فإلى جانب الشــق المعلوماتي والتاريخي، هناك تركيز على اكتساب خبرات في التعبير عن النفس، وفي البيئة من حولهم وذلك عبر القيام بأعمال حرفية ومهارية، وربط المعرفة التي يتلقونها بمجالات الحياة، وربط المدرسة بالمجتمع من خلال دراسة مشكلاته وسبل علاجها، وفق الخبير التربوي الدكتور محمد عبدالعال، الذي يوضح أن المناهج المدرسية في شكلها الحالي تحوّل الطفل إلى صندوق لحمل المعلومات، ويختلف كل طفل عن الآخر بحسب حجم الصندوق وسعته، وليس بالملكات والقدرات وتنمية الذكاء والمهارات. وقد أدى ذلك الجو المشحون في المدرسة وكذلك مراكز الدروس الخصوصية بالتبعية إلى انتقال الشحن إلى داخل كل بيت فيه تلامذة. لذا، «لم يعد غريباً أن ترفع البيوت المصرية راية الطوارئ ورجاء عدم الاقتراب في مواعيد الامتحانات التي تؤدّي غالباً إلى تخريج أرقام تضاف إلى سوق البطالة وليس بشراً مؤهلين لشغل وظائف مهمة في سوق العمل». وأدّت المناهج وتلك المشاعر الغاضبة في كل بيت مصري بسبب تفاقم أوضاع التعليم وفحواه، إلى تنامي المجموعات المطالبة بوضع حلول جذرية سريعة.   مطالب تصحيحية وبعد صفحة الأمهات المتمرّدات على المناهج، ظهرت مجموعة أخرى اتخذت من شعار «مناهجكم باطلة» عنواناً لها. هي أيضاً مجموعة من الأهل المتضررين من المناهج العقيمة. وبادرت إلى تقديم مطالبها إلى القائمين على أمر التعليم والمناهج. وتتلخّص المطالب بما يأتي: تعديل المناهج وتطويرها بما يتناسب وسن التلامذة، تنمية مهارات التلامذة، العمل بنظام الفصول الدراسية الأربعة وعدم شمول الامتحان مواد سبق أن امتحن فيها التمليذ، تأهيل المعلّمين في عطلة الصيف لتعزيز دورهم التربوي، إلغاء الحشو، ضبط العلاقة بين التلميذ والمعلّم، اختيار لجنة من الأهل أصحاب الاختصاص ليؤخذ بآرائهم في خطوات التعديل والتحديث، وأخيراً اختيار لجنة مختصّة من الشباب الواعي المتعلّم لتحديث المناهج ووضع التكنولوجيا الحديثة في الاعتبار. الطريف أن وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الدكتور الهلالي الشربيني، أكد قبل أسابيع في لقاء تلفزيوني أن المناهج المدرسية المصرية لا تختلف عن نظيراتها فى البلدان المتقدمة. وأضاف أن المشكلة تكمن في أسلوب عرض تلك المناهج، مبشّراً بأن العام الدراسي المقبل سيشهد تعديل 70 في المئة منها على أيدي 100 أستاذ جامعي يساهمون في تطوير اللغة العربية والفلسفة. وتبقى معايير التغيير مبهمة، ومقاييس التحديث غامضة، والأمهات يوشكن على الانهيار العصبي، والمعلمون مختبئين في مراكز الدروس الخصوصية، والصغار يئنون من أشياء كثيرة، في انتظار نتائج ملموسة على أرض المعركة المدرسية.

مشاركة :