الكتاب ذاكرة لا تشيخ

  • 3/31/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

العبارة أعلاه شعار وتميمة معرض الكتاب الدولي في مدينة الرياض، والذي ختم قبل أيام، جعلوها احتفاء واستقراء لدور الكتاب المهيب، وإعلاء لقيم المعرفة وجمالياتها، ومؤشرا عقلانيا للتأثير المتعاظم الذي يلعبه الكتاب في حياة الشعوب. جاء الشعار انتصارا وتلويحة ضد كل تلك التمثلات البائسة والرثائية التي تبشر بموت الكتاب الورقي، والانعتاق من هيمنته التاريخية والمعرفية، وتقليص حضوره المتغلغل والإشباعي في كل فضاءات التلقي البشري. الكتاب ما يزال على قيد الحياة حيا يرزق، بل يستطيل ويمعن في مساجلته وتيقظه وغلبة تداعياته التغييرية في نسيج الحياة ومجريات وتحولات الأمم، وتأجيج سلطة المعرفة وتشوفاتها المستقبلية وحواضنها المتبصرة. كنت أتساءل وبإلحاح ذهني: ما دورنا في صنع الشغف ومتعة القراءة لهذا الجيل الذي أصبح فريسة تتناهبه كل مكتسبات العصر وملهياته وتقنياته المستحدثة وإرهاصاته بكل جبروتها، حين تعمل مضختها المضادة لفعل القراءة ومتعتها الذاتية، لتحبسه داخل أفق ملتبس ومكامن محدودة ومدارات مموهة ومضمرة؟ كيف نزحزح هذه الانكفاءات المسيجة والمستكفية والراضية بالقليل والشحيح من فلاحة أرض القراءة وتخصيبها، وإنكارية استناراتها العلمية والعملية والحضارية وارتداديتها الاستنهاضية في مسارات التنمية وتحولات الشعوب؟. يقول أنسي الحاج: "لم أكن أجد نفسي إلا حين أفتح الكتاب. قبل الكتب لم أكن أتكلم. لولا الكتب لما أكملت الحياة. الكتاب بساط الريح. سيف دون كي شوت. علبة السحر. مغارة علي بابا. حيث تقود الكائنات إلى مباخرها لا شيء يستولدك ويغطيك في الليل مثل الكتاب". ويقول الكاتب الفرنسي "دانيال بناك" في كتابه "متعة القراءة"، "يجب أن نقرأ لنحيا، لم يصبني حزن ما إلا وانتشلتني منه القراءة، القراءة فعل تواصل، القراءة تؤنسن الإنسان أي يصبح أقل توحشا، إنه لحزن عميق وعزلة داخل العزلة أن يكون المرء منفيا عن عالم الكتب، القراءة تفتح أبواب الخيال". ويصف دانيال مشهدا لواحد من رواد القراءة وعشاقها فيقول: "لقد كان "بيروس" يصل الثلاثاء صباحا، وقد تبعثر شعره بفعل الريح والبرد، وهو على دراجته النارية الزرقاء والصدئة، محني الظهر في معطفه الكحلي، كان يفرغ خرجا كاملا من الكتب على الطاولة وعندها كانت الحياة تبدأ". هنا، جعل دانيال القراءة مقابل الحياة، ومعادلا موضوعيا لها، وكأننا حين ننفتح على الكتاب وعلى القراءة نجعل للحياة معنى آخر، بكل تجاذباتها وتراسلها ومبررات حضورنا فيها، وصون مقدراتنا وخياراتنا المفاهيمية، وحضور الحكمة والوعي والإدراك في مشهدنا الحياتي. إنه الكتاب، إنها القراءة، أيقونة العصر والمعرفة المتقدمة، في غيابها تتفتق وتترهل الروح وتنطفئ مصابيح العقل.

مشاركة :