لا تخلو معظم المجالس في مدينة الرياض من الحديث عن أزمة الازدحام المروري التي أصبحت هاجسًا يؤرق الكثيرين نتيجة للاختناق الذي تشكو منه الطرق، ولاسيما في أوقات الذروة صباحًا ومساء، عند توجُّه الطلاب إلى مدارسهم، والموظفين إلى أعمالهم، وحين العودة منها.. فالمسافات التي تحتاج في الظروف العادية إلى بضع دقائق لقطعها باتت تتطلب قرابة الساعة؛ وهو ما يمثِّل هدرًا للوقت والجهد، وتهديدًا لجودة الهواء بسبب تزايُد الانبعاثات من عوادم المركبات. الأسباب التي تقف وراء هذه المشكلة معلومة، وقد تحدَّث حولها الكثيرون، وفي مقدمتها ارتفاع الكثافة السكانية، وازدياد عدد المركبات، وتهوُّر بعض السائقين الذين يتسببون في وقوع الحوادث؛ فوقوع أي احتكاك بين مركبتين وإن كان بسيطًا يؤدي إلى شل حركة المرور بصورة شبه كاملة؛ لأن أصحاب تلك السيارات يتمسكون بالبقاء في مواقعهم حتى وصول موظف الشركة المختصة بتقييم الحوادث، الذي عادة ما يتأخر؛ لأنه يستخدم سيارة، في حين أن استخدامه دراجة نارية سيساعده على سرعة الوصول، وفك الاختناق. ويكمن الجانب المظلم لهذه المشكلة في أنها ربما تصبح عائقًا يعترض الجهود المبذولة لترقية مكانة العاصمة، وزيادة تنافسيتها؛ لأنها بمنزلة الرئة التي تتنفس بها السعودية؛ فالدولة تسعى ضمن رؤية 2030 إلى تحويلها لتكون عاصمة الاستثمار في منطقة الشرق الأوسط، وقطعت خطوات واسعة في هذا الاتجاه.. لكن مشكلة التكدس في الطرقات تصبح مع الوقت عاملاً له تأثيرات سالبة على قدرة جاذبية المدن للاستثمار، وتظل مهددًا للتنافسية الاقتصادية؛ فالشركات الكبرى متعددة الجنسيات التي تتأهب لنقل مقارها إلى بلادنا خلال الأشهُر المقبلة تولي أهمية كبيرة لعامل الوقت الذي يعني بالنسبة لها الكثير، إضافة إلى الحرص على توفر بيئة صحية ونظيفة؛ لذلك يُخشى أن تواجه الرياض مستقبلاً – إذا استمرت هذه المشكلة - منافسة كبيرة في جذب الاستثمار، خاصة مع وجود مدن أخرى في المنطقة، تتمتع بميزة السلاسة المرورية. وإذا تحدثنا عن الحلول سنجد أننا بحاجة إلى التفكير خارج الصندوق؛ فالكل يعلم أنه لا بد من التوسع في إنشاء طرق وجسور وأنفاق جديدة، وتغيير مواعيد بدء ونهاية دوام المدارس والجهات الحكومية وشركات القطاع الخاص، وإعادة التخطيط الحضري.. وغير ذلك من الحلول التي تم طرحها في مرات عديدة ومناسبات متعددة. هناك حاجة ماسة لتخصيص ممرات خاصة في الطرق برسوم مادية؛ فيسدد أصحابها مبالغ نظير استخدامها، إضافة إلى تقليل عدد السيارات في الشوارع عبر العديد من الخطوات، مثل إلزام شركات التوصيل باستخدام دراجات نارية، وتقييد حركة سيارات الليموزين؛ لتكون متوقفة في أماكنها، وتتحرك فقط بعد طلبها، بطريقة أوبر وكريم نفسها، بدلاً عن اللف في الشوارع وزيادة التكدس. ولا بد أيضًا من مراجعة آلية عمل الإشارات المرورية، وتشجيع المؤسسات وشركات القطاعين العام والخاص على تبنِّي نظام العمل عن بُعد، ولو لبعض موظفيهم الذين لا توجد حاجة فعلية لوجودهم في المكاتب، إضافة إلى تفعيل التسوق الإلكتروني الذي يمكن أن يؤدي لتقليل حاجة الأسر للخروج بغرض التسوق. نحتاج أيضًا لنشر المزيد من عناصر المرور السري، ومضاعفة الغرامات المرورية على المخالفين الذين يتسببون في إرباك حركة السير، وتفعيل منظومة النقل العام، وتقليل أسعار التذاكر، ومضاعفة أعداد الحافلات؛ لتشجيع العمالة الوافدة والفئات الأكثر احتياجًا على استخدامها. وكذلك الإسراع في استكمال مشروع قطار الرياض، وتشجيع طلاب المدارس على استخدام سيارات الترحيل الجماعي. هذه الخطوات لا شك أن الجهات المسؤولة تدركها جيدًا، وتبذل الدولة مشكورة جهودًا ضخمة لتعزيز جودة الحياة، وزيادة رفاهية المواطنين والمقيمين، لكن إذا أخذنا في الحسبان أن عدد سكان الرياض سوف يصل إلى 17 مليون نسمة بحلول عام 2030 فسوف ندرك حتمًا حجم المشكلة التي ستواجهنا خلال سنوات قليلة، وضرورة التحرك السريع لحلها.
مشاركة :