بينما تبدو الرياح تسير نحو عقد الانتخابات النيابية في الأردن، هذا العام، كما هو مقرّر، لا يزال النقاشُ في الأوساط السياسية في ما إذا كان المشهد الحزبي مهيّأً والأحزاب الجديدة التي يفترض أن تكون لديها القدرة التنافسية والاشتباك مع الشارع قادرة على خوض الانتخابات بصورة فاعلة أم العكس؟ لا يقف دُعاة تأجيل الانتخابات النيابية على صعيد واحدٍ، فهنالك من يتحدّث عن الخشية من استثمار الإسلاميين أحداث غزّة وتحشيد الشارع وتعبئته، بخاصة في المحافظات الكبرى، تحت وطأة الحالة العاطفية الجارفة مع كتائب القسّام لصالح جماعة الإخوان المسلمين، التي ستجد الانتخابات فرصة مناسبة لإعادة شحن رصيدها في الشارع الأردني، واستثمار الحملة الانتخابية والأجواء المؤاتية لتعزيز حضورها البرلماني، فيما لم تتمكّن الأحزاب الجديدة بعد، والتي يُفترض أن تنافس الإخوان المسلمين، من بناء قدراتها وتثبيت أقدامها، ما يعني أنّ المنافسة تكاد تكون غير عادلة بين طرفين غير متكافئين، بالرغم من أنّ مؤسّسات الدولة ليست محايدة، لكن الخيارات عند التوجّه إلى صندوق الاقتراع ستكون بين حزب قوي يمتلك قاعدة اجتماعية قوية، تخدمه الظروف السياسية الراهنة، وأحزاب لا تزال وليدة مدعومة من حكومة تعاني من فجوة ثقة تاريخية متنامية مع الشارع. على الطرف المقابل؛ يدافع فريقٌ من السياسيين عن عدم حجّية التأجيل بسبب حرب غزّة، فقد عقد الأردن انتخابات نيابية في ذروة وباء كورونا، وهذا استحقاقٌ دستوري، لا يجوز تأجيله إلاّ لأسبابٍ صلبة وقوية، والتخوّف من شعبية الإسلاميين مبالغ فيه، ففي أفضل الأحوال، لن يستطيعوا "رسملة" شعبية حركة حماس داخل صندوق الاقتراع إلاّ بدرجة محدودة، فضلاً عن أنّ مصداقية التحديث السياسي مرتبط بالالتزام بعقد الانتخابات، وتطوّر الأحزاب مرتبط بالعملية الانتخابية والسياسية ذاتها، فهي الكفيلة بتعليم الأحزاب معنى المنافسة والعمل الحزبي وطبيعته. من وجهة نظر كاتب هذه السطور، بالرغم من قوة حجيّة الرافضين لتأجيل الانتخابات، فإنّ التحدّي فيها ليس إقامتها من عدمه (كما الحال في أثناء وباء كورونا)، إنما في ما سينجم عنها، والسؤال الرئيس: هل ستعزّز هذه الانتخابات القناعة بقوة الأحزاب لاعباً رئيساً في المرحلة المقبلة، أم العكس، ستؤدّي إلى إضعافها والعودة إلى الفرضيات التي بنيت عليها المعادلة التقليدية قبل لجنة تحديت المنظومة السياسية، بما يخدم الموقف المحافظ الذي كان، ولا يزال، يشكّك أصلاً في مدى أهلية العمل الحزبي في المجتمع الأردني؟ أصبح العمل الحزبي، اليوم، أكثر تعقيداً وصعوبة مما كان عليه سابقاً، فهو مرتبط باحترافية شديدة تقوم على وجود لون وخطاب وتوجّه سياسي واضح، وقيادة قوية تمتلك القدرة على تعبئة الشارع، وجهاز إعلامي- دعائي محترف، وبرنامج قوي صلب يجمع بين المسوحات الميدانية والخبرة التكنوقراطية، وهي شروط رئيسية لتكون الأحزاب الحالية ذات كفاءة وقدرة على اختراق القواعد الاجتماعية في الشارع. أما لو نظرنا إلى واقع الأحزاب الجديدة، بالرغم من الحراك والنشاط الكبير الذي تحاول القيام به، فإنّ فترة ولادتها قريبةٌ لا تتجاوز شهوراً، ولم تكد تسجّل في الهيئة المستقلة حتى بدأت الحرب على غزّة، ووجدت نفسها في سباق مع الزمن لملاحقة الحدث الذي ألقى بظلال واسعة على المشهد الأردني، وفي الوقت نفسه، المضي في عملية البناء الذاتي التي تتطلب وقتاً أطول وموارد أكثر، وفي حال دخلت الانتخابات المقبلة، فستكون في اختبار أكبر من إمكانياتها الحقيقية. يعتقد سياسيون كثيرون أنّ تأجيل الانتخابات لن يساعد في تصحيح مسار الأحزاب السياسية، وأنه حتى لو أخذت عاماً إضافياً، فالنتيجة واحدة، وهذا قد يكون صحيحاً إلاّ في حالة كانت هنالك "وقفة مراجعة نقدية" للمسار السابق، وتحول نحو جهود حقيقية لتجذير التجربة الحزبية وبنائها بالطريقة الاحترافية المطلوبة، ضمن خريطة طريق واضحة للوصول إلى مرحلةٍ تكون فيها الأحزاب قادرة على التنافس والدخول في النقاش العام، وعكس توجّهات الشبكات والقوى الاجتماعية المختلفة والمتنوعة في المجتمع، وهو التحدّي الحقيقي، كما يرى عالم الاجتماع تشارلز تيلي، أي القدرة على إدماج شبكات الثقة المتنوعة في العملية السياسية، وزيادة نسبة المشاركة السياسية بما يكفل وجود معنى حقيقي للعملية السياسية بأسرها. العربي الجديد
مشاركة :