التنوير الإسلامي في مواجهة داعش

  • 4/1/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كيف نواجه التطرف وعلى رأسه تنظيم داعش اليوم؟ ما شكل المواجهة الفكرية المطلوبة؟ ولماذا تتردد المرجعيات الدينية والمجامع الفقهية العربية والإسلامية بإصدار حكم بمنزلة داعش ووضعيتها.. وإن صدر الحكم فهل تكون غايته تكفيرها ونتيجته إخراجها من الملة؟ صحيح إن هناك فتاوى وأحكاما صدرت عن علماء من سوريا والسعودية والأردن بشكل فردي، كما صدرت فتاوى عن مجموعات من علماء حلب ودمشق وبعض مشايخ السعودية، بالإضافة إلى بيان مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي وصف أعمالها الشنيعة بحق الأسرى بأنها إجرام شديد وبغي فاحش. هذا إلى جانب خلاصة أقوال العلماء بأن داعش فرقة من فرق الخوارج أو قد شابهوهم وأنهم فرقة ضالة باغية غالية مفسدة مستبدة مغتصبة، وأنها ترفض الخضوع لحكم الشرع، وهدفها قتال المجاهدين، لذا فلا يجوز الانتساب لها أو القتال معها، ويجب الخروج منها ولا بيعة لها، لا بل اتفق علماء الشام على نقدها وبغيها وأنها خطر على الجهاد. هذه الأحكام تضاف إلى محاولة عدد من علماء الأمة بمحاورة زعيم داعش، عبر رسالة صدرت في عمان، ومن قبل مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، حين وجه العلماء المسلمون خطابا إلى زعيم تنظيم داعش وقد ذهبت الرسالة إلى تفنيد مزاعم البغدادي وكلماته، ورفض مبدأ قتل الأبرياء والأسرى، وتوضيح معنى الجهاد والغاية منه، ورفض التكفير وبيان حدوده، وأن من قال كلمة (لا إله إلا الله) مسلم، لا يجوز تكفيره. والرسالة برغم أنها ذهبت إلى خطاب إسلامي عقلي مستنير في محاولة ثني البغدادي عن أفكاره، ومناصحته بعد خطابه الشهير في الجامع النوري الكبير في مدينة الموصل، إلا أنها للأسف لم تلق بالاً لدى داعش وقادتها ممن أمعنوا في القتل والخراب. ومهما يكن من أمر، فإن داعش ونازلتها قادت إلى استفزاز واستنفار العقل الإسلامي للتنبه إلى مسألة اختطاف الدين، وتوظيفه توظيفا غير سليم، وهذه الحالة وإن مرت بها الأمة في زمن سابق، إلا أنها اليوم في خطورتها أكبر من الواقع الذي عاشته الأمة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي قادت إلى ظهور حركات إصلاحية احيائية إسلامية، كما هو الحال في الحركة السنوسية والحركة المهدية وحركة عمر التكروري ورابح ولد فضل الله في افريقيا وغيرهم. وهي حالة شهدتها الأمة وكان فيها الضعف والجهل والاستبداد مطبقا، ما استدعى قيام حالة تنويرية إصلاحية شاركت فيها الجمعيات العربية في أواخر القرن التاسع عشر، أو مع مفتتح القرن العشرين وظهر آنذاك رجال ودعاة إصلاح حقيقيون أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي واحمد لطفي السيد وغيرهم وهو ما نجده غائبا اليوم. لقد أدت الحالة الراهنة إلى استيلاء عدة جماعات على الإسلام والحديث باسمه، مما أضعف الحالة الإصلاحية وقوض كل مطالب الربيع العربي، وافقدها مشروعية مطالبها، مما جعل الصوت العربي الإصلاحي يتحسب كثيرا اليوم عند المطالبة بالإصلاح. والسؤال ما العمل لمواجهة داعش فكرياً؟ لكي نقلل من جاذبية داعش وكل القوى المتطرفة، لا بد من اشاعة الثقافة العلمية في المجتمعات، وتطوير سبل المواجهة الفكرية الإسلامية، وثمة مرجعية دينية مهمة لدى المملكة العربية السعودية، وعلمائها لكي يتصدوا لهيمنة داعش وقوى التطرف على المشهد، بالإضافة إلى موقف الأزهر الذي يجب أن يكون أكثر وضوحاً وأكثر تأثيراً. ولا بد من تفعيل النقد واعمال العقل، والتحضير لموجهة فكرية شاملة وتجفيف مصادر الفكر المتطرف ووقف الدعاة الذين يكفرون الناس، وكذلك إعداد دعاة ووعاظ في المجتمعات ضمن سياسة واضحة وادخالهم معاهد علمية، وتطوير تشريعات وطنية في الدول العربية ضد ثقافة الكراهية والتطرف، ولا بد من المزيد من الديمقراطية وانهاء ما يسمى الاحزاب الدينية، ومراجعة المناهج المدرسية والجامعية وتنقيتها من أي نصوص متشددة، كما تحتاج الدول العربية إلى منح المعارضة السياسية والفكرية فرصة التمثيل والمشاركة في القرار، وبحاجة أكثر اليوم إلى العدالة ووقف التهميش والحرمان، والحوار مع الشباب بشكل أكبر. أما الأحزاب العربية الوطنية وكذلك اليسارية والدينية وأكبرها كان تأثيرا حزب الاخوان المسلمين، فهي لم تفلح في ايجاد حل لشكل الحكم والدولة التي تدفع الناس للبناء الحضاري، ومواجهة التحديات وهي ذاتها تدخل اليوم ابواب المراجعة الشاملة؛ كي لا تتلاشى وتذوب بعد أن عجزت عن تطوير حالة من الشراكة مع خصومها حين استلمت الحكم والتجربة المصرية كانت خير مثال في كل مراحلها.

مشاركة :