الحديث مع الغرباء - أميمة الخميس

  • 4/2/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ما بين عام 1854-1855 تفشى في وسط الجزيرة العربية وباء قاتل أصاب الكثير من سكانها، وقيل إنه الكوليرا وبعض المصادر قالت إنه الطاعون، لكن جميع المصادر التاريخية أجمعت بأنه كان من القسوة بحيث اجتث بلدات بكاملها، وأصبح الناس يقتلعون أبواب البيوت لنقل الجنازات، لعدم وجود نعوش كافية. الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها الوباء على القرى الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة كانت مأساوية، وخلفت ندبة في الوجدان الجمعي جعلت سكانها يرجعون هذا الوباء إلى غضب حل عليهم سببه..(الحديث مع الغرباء) من أتراك وأورووبين، كما يذكر الرحالة الإنجليزي بلجريف، في كتابه (وسط الجزيرة العربية وشرقها). ولا نعلم عن مدى صحة ما أشار له بلجريف في كتابه، ولكن قد يكون تفسيرا متوقعا من قرى صغيرة نائية، بعيدة عن العالم، وتكابد ويلات الأوبئة والجوع، استرابت من الغرباء الذين كانوا وقتها يجوبون جزيرة العرب إما كجنود وأفراد حاميات، أو مطالع العيون التجسسية الاستعمارية. المفارقة ليست هنا.. بل في كون العلاقة المتأزمة مع الغرباء ما برحت إلى وقتنا الحاضر توظف الإنكار والرفض كإحدى آليات الدفاع النفسي، والتي تقوم على رعب متشنج غير مفسر ضدهم، بل رفض مبالغ فيه كتعبير موارب عن مشاعر الضعيف الذي يضمر شعورا بالهشاشة وعدم سيطرته على أدوات النزال في مواجهة القادمين من الخارج. بل إن رواج مصطلح (التغريب) وتوظيفه بكثافة إلى الآن لدى البعض هو إحدى ميكنيزمات الدفاع المعبرة عن التوجس والاسترابة من القادمين من وراء الحدود، مخاوف البلدات الصغيرة التي كان يتعاقبها الجوع والمرض والكوارث البيئية. لكن السؤال هنا هل البيت ما برح قائما على جرف هار باستطاعة أي من الرياح الغريبة أن تعبث به؟ نحن هوة استهلاكية كبرى استغرقنا استهلاك منتجات الغرباء، ولكن في نفس الوقت لانود الحديث معهم وعنهم، أو إدخالهم كثيمة متكررة ضمن مفردات الخطاب المحلي. هل هو خوف اختطاف مشعل المعرفة (شعلة بروميثيوس)، الذي كان يستأثر به مطوع القرية الصغيرة النائية، خشية أن يجلب الغريب في حقيبته ما يسلبه سطوته المعرفية فتكسد بضاعته؟ الآن 150 ألفا من بناتنا وأبنائنا مبتعثون حول العالم، ويعيشون حديثا متصلا مع الغرباء؟ فما موقفنا من تداول مقاعد السلطة المعرفية بعد عودتهم؟ الآن تغريدة واحدة تصل أقصى العالم قبل أن يرتد إلينا طرفنا، وما برح البعض ببساطة يقترب من السذاجة ويجد في أي اشتباك مع الآخر خيانة.. ولو على المستوى الإعلامي أو الدبلوماسية أو حتى ورش العمل والدورات التدريبية.. ليحضر الغرباء عبر دروبنا الممهدة وصحائفنا المشرعة وأكفنا المنبسطة.. ليس لدينا ما نخفيه، والجلبة واللغط الإعلامي في الداخل مؤشرات الصحة والعافية، وجسم فتي متوقد نشط، يقوم جهازه المناعي بممارسة وظائفه الطبيعية من الإشارة إلى مواضع المرض ومحاصرتها. وحدها الشعوب السوية.. حصانتها وجهازها المناعي قادران على مقاومة أحاديث الغرباء. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :