القضارف (السودان) – تعمل إريتريا على الاستفادة من الحرب التي يعيشها السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع لاستعادة تأثيرها في شرق البلاد كما كانت تفعل في سنوات ماضية، متراجعة عن اتفاق السلام بينها وبين السودان. ويثير هذا التحرك التساؤلات في ظل حديث عن أن أسمرة تسعى من وراء هذا التدخل لمنع زيادة نفوذ الإمارات في القرن الأفريقي، وتنفذ أجندة إقليمية تعكس انزعاجا من نجاح أبوظبي في تقوية علاقاتها مع دول القرن الأفريقي من خلال تقديم الدعم المالي والاستثماري. ومن المرجح أن يكون عجز بعض دول الإقليم عن منافسة الإمارات، التي لديها حضور قوي في إثيوبيا وجيبوتي وأرض الصومال، وراء رهانها على إريتريا وتخويفها من زيادة نفوذ إثيوبيا، خصمها التاريخي، بعد حصول أديس أبابا على منفذ إلى البحر الأحمر من بوابة أرض الصومال. ويبدو أن إثيوبيا قد استفادت من علاقتها بالإمارات لتسهيل تفاهمها مع أرض الصومال، وهو ما بات يقلق أطرافا إقليمية أخرى. ورحبت إثيوبيا برغبة موانئ دبي في المشاركة في تطوير ميناء بربرة، والذي تسعى أديس أبابا للحصول عليه وفقًا لاتفاقية مع حكومة أرض الصومال. مقاربة إماراتية تراهن على بناء علاقات إستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الكبرى عالميا، والتي لها تأثيرها على أمن الشرق الأوسط وخاصة أمن الخليج وكشفت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى أديس أبابا في أغسطس الماضي عن إستراتيجية شاملة للعلاقة بين الإمارات وإثيوبيا، وهو ما عبّرت عنه الاتفاقيات التي تم التوصل إليها وشملت مختلف المجالات. تأتي الزيارة إلى إثيوبيا ضمن مقاربة إماراتية تراهن على بناء علاقات إستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الكبرى عالميا، والتي لها تأثيرها على أمن الشرق الأوسط وخاصة أمن الخليج. وقال الشيخ محمد بن زايد خلال لقائه برئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن إثيوبيا تحظى بأهمية خاصة لدى دولة الإمارات في إطار توجهها الإستراتيجي لتعزيز العلاقات مع أفريقيا، لاسيما في المجالات التنموية، خاصة أنها تستضيف مقر منظمة الوحدة الأفريقية، ولها ثقل كبير في القارة. كما أن لها دورا مهما وأساسيا في معادلة الأمن الإقليمي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. وكانت إثيوبيا قد أعلنت في 2018 عن التزام الإمارات بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، حيث ستوجه مليار دولار كوديعة في البنك المركزي، وملياري دولار كاستثمارات مباشرة تتركز في مجالات الزراعة. وفتحت العلاقات الوثيقة للإمارات ببعض الدول الإقليمية الباب أمامها لحضور قمة إيغاد الأخيرة لبحث التوتر بين الصومال وإثيوبيا وكذلك جهود حل الصراع في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وتُتَّهَم الإمارات بأنها تدعم قوات الدعم السريع من أجل السيطرة على شرق السودان، وفتح منفذ لها إلى البحر الأحمر. وفي ديسمبر الماضي سيطرت قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) بشكل مفاجئ على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة، البوابة الجنوبية للخرطوم التي تعد كذلك بوابة الشرق لقوات دقلو التي يقع حصنها الرئيسي في إقليم دارفور في أقصى غرب السودان. وانطلاقا من مواقعها الجديدة بات بوسع قوات الدعم السريع الوصول إلى الطرق المؤدية إلى ولاية القضارف على الحدود مع إثيوبيا، وولاية كسلا على حدود إريتريا. كما أن كسلا هي البوابة الجنوبية لمحافظة البحر الأحمر حيث تقع بورتسودان. وقال مركز أبحاث “رفت فالي إنستيتيوت” إن أسمرة تريد ممارسة ضغط ولكنها لا تريد إسقاط الجيش، لأن “حلفاءها التقليديين في الشرق يدعمونه”، كما أنها لا تميل إلى دعم قائد قوات الدعم السريع المتحالف مع أبوظبي، لأن ذلك “قد يعزّز نفوذ الإمارات في شرق السودان، وبالتالي يجعل القرن الأفريقي طيعا بدرجة أكبر بالنسبة إلى الخليج”. pp وهاجمت مجموعة متمردة سابقة في شرق السودان، كانت قد وقّعت اتفاق السلام في عام 2020 مع الخرطوم، بشكل صريح إريتريا، وهي واحدة من أكثر دول العالم عزلة إلى حدّ أنه يطلق عليها اسم “كوريا الشمالية الأفريقية”. وقالت الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة ضمن بيان في 12 يناير الماضي إن “دعم (هذه المعسكرات) واعتبار ذلك سياسة رسمية لإريتريا من شأنهما إطالة الحرب في السودان وتحويلها إلى نزاع إقليمي”. ويقول الخبير في شؤون شرق السودان أبوفاطمة أونور إن المجموعات التي تدير معسكرات التدريب في إريتريا “موالية للجيش” السوداني. ويشرف على إحداها، بحسب شهود، إبراهيم دنيا، إحدى الشخصيات المعروفة في مدينة كسلا. وظهر اسم هذا الرجل في عامي 2021 و2022 على خلفية التوترات بين قبائل البجا وقبائل البني عامر التي تعيش في السودان وإريتريا. وإذا كان دنيا امتنع عن إعلان تأييده لأحد طرفي الحرب في السودان، فإن الكثير من التدوينات على صفحة حركته تؤكد الدعم الواضح للفريق أول عبدالفتاح البرهان. ويقول شهود، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم خشية أعمال انتقامية ضدهم، إن معسكرين آخرين في إريتريا تديرهما كوادر من نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي أطاحت به تظاهرات شعبية عارمة في أبريل 2019. وأكد متمرد سابق التقته فرانس برس في القضارف أنه تم الاتصال به كي يرسل رجاله إلى هذين المعسكرين ولكنه “رفض”. وخلال الأشهر الأخيرة أعلن مسؤولون سابقون في نظام البشير، من بينهم من فروا من السجون أثناء الحرب، تأييدهم للجيش. انشرWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :