ارتفعت حرارة التوتر بين الولايات المتحدة والصين فجأة في 4 فبراير عام 2023، بإسقاط مقاتلة "إف -22" أمريكية منطادا صينيا فوق المحيط الأطلسي قبالةَ سواحل كارولينا الجنوبية. الولايات المتحدة بلسان البنتاغون اتهمت حينها الصين باستخدام بالون الانجراف الأوتوماتيكي في جمع معلومات استخباراتية، وقامت إثر ذلك بتأجيل زيارة وزير خارجيتها أنتوني بلينكن إلى الصين، فيما أكدت بكين أن البالون مخصص للأرصاد الجوي، وقد فقدت السيطرة عليه لظروف قوية قاهرة، ولاحقا اتهمت واشنطن بالاستخدام العشوائي والمفرط للقوة في هذه الحادثة، وهددت بـ"عواقب"، مشيرة إلى أنها لا تقبل "الضجيج والتكهنات". حادثة إسقاط البالون الصيني في الأجواء الأمريكية بغض النظر عن طبيعته وعما قيل بأن مناطيد مشابهة اخترقت الأجواء الأمريكي في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، كان بمثابة علامة فارقة ورمزية على قدرة الصين على الوصول إلى الولايات المتحدة، علاوة على أنها بينت مدى تعقيد العلاقات بين البلدين وإمكانية حدوث صدام حقيقي بينهما من أقل احتكاك. الولايات المتحدة كانت دأبت على التحرش بالصين من خلال انتهاك السفن والطائرات الأمريكية عبر ما يعرف بـ "دوريات حرية الملاحة" المياه الإقليمية الصينية في حدود مناطق 12 ميلا حول عدد من الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي، وتصر على القول إن تلك الجزر الصينية مصطنعة، ولا حقوق لها في المياه الإقليمية. الصين بدورها ترفض بشدة انتهاك الأمريكيين بانتظام لمياهها الإقليمية، وتشدد على أن الولايات المتحدة باعتبارها قوة من خارجة المنطقة، لا يجب أن تتدخل مطلقا في نزاعاتها الإقليمية مع دول جنوب شرق آسيا. واشنطن لم تكتف بمثل هذه الإجراءات في محاولتها "تهديد" الصين بالقرب من حدودها البحرية، وكانت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في أوائل أغسطس 2022، بمثابة شرارة خطيرة رفعت درجة التوتر العسكري في المنطقة على مستويات غير مسبوقة، لا سيما أن بكين ردت بمناورات ضخمة حول تايوان، ما وضع المنطقة على شفا الحرب. علاوة على كل ذلك، تشن الولايات المتحدة حربا تجارية على الصين ومن ذلك فرضها قيودا في أكتوبر 2022 على توريد الرقائق والمعدات المتقدمة إلى هذا البلد، وممارستها ضغوطا على اليابان وهولندا للانضمام إليها في هذا الشأن. وسائل الإعلام الأمريكية كانت ذكرت أن البالون الصيني، وهذا النوع يعمل على ارتفاع يتراوح بين 20-30 كيلو مترا، لا يمكن أن يلحق اضرارا جسمية بالولايات المتحدة بخلاف الأقمار الاصطناعية الصينية، وأن المنطاد الصيني لم يتم إسقاطه في البداية التفادي أي تهديد للسكان المدنيين على الأرض. في آخر المطاف، برأت وزارة الحرب الأمريكية بعد سبعة أشهر، المنطاد الصيني الذي تم إسقاطه فوق الأراضي الأمريكية في 4 فبراير 2023، وذكرت أنه لم يجمع أو ينقل اية معلومات استخباراتية، وصرّح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية حينها الجنرال مارك ميلي قائلا: " لدينا معلومات مؤكدة بهذا الصدد، ويمكنني التأكيد أن البالون الصيني لم يجر أي عمليات استطلاع تهدف لجمع معلومات استخباراتية". الجنرال الأمريكي أكد في نفس الوقت الرواية الصينية، بقوله إن البالون مخصص لرصد الأحوال الجوية، ويمكن بسهولة أن يخرج عن مشاره، وذلك لأن " المحرك المثبت على المنطاد لا يستطيع التعامل مع الرياح القوية على ارتفاعات عالية". البالون الصيني دخل التاريخ على كل حال، وتحول إلى علامة في طريق طويل من المواجهة بين الولايات المتحدة والصين، وطالما تواصل واشنطن مضايقة التنين الصيني في المنطقة وحول تايوان، ومحاولته المستميتة لكبح جماحه في عقر داره بما في ذلك عن طريق الأساطيل ورحلات طائرات التجسس المنتظمة، فإن الخطر يبقى ماثلا وهو مرجح بجدية للانفجار في أي لحظة. المصدر: RT تابعوا RT على
مشاركة :