يعيش قطاع البتروكيماويات في منطقة الشرق الأوسط نقلة نوعية كبيرة تعيد تعريف موازين القوى بين أبرز اللاعبين الإقليميين. وكشفت دراسة حديثة لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب أن هذه النقلة النوعية جاءت نتيجة لدوامة من القوى العالمية، بعضها كان متوقعاً وبعضها الآخر لم يكن كذلك، وتضمنت التأثير التراكمي الذي خلفته نهضة غاز الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، والانخفاض الحاد في أسعار النفط، وخسارة السعودية لمزايا الوصول إلى الغاز الخام رخيص الثمن، وازدياد القدرات الصينية، ورفع العقوبات عن إيران. وقال مارسين جيدريزجوسكي، أحد المسؤولين في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب: لقد أسهمت هذه العوامل معاً في تغيير مسار قطاع البتروكيماويات الإقليمي وإعادة تشكيل معالمه، بشكل فتح الأبواب أمام مجموعة من التحديات والفرص الجديدة. وفي حقيقة الأمر، هناك في يومنا هذا عوامل سياسية واقتصادية خارجية ترسم صورة أقل وردية لمستقبل قطاع البتروكيماويات في منطقة الخليج. وفي حين أنه لا يزال هناك وقت لعكس مسار الضرر، بل وحتى تحويل هذه النكسات إلى لحظات من النمو، فيجب على منتجي البتروكيماويات الخليجيين القيام بذلك بسرعة فائقة وإلا فإنهم يعرضون أنفسهم لخسارة أفضلية التنافس الفائقة التي امتلكوها لفترة طويلة. نهضة غاز الصخر يجب التنويه إلى أن نهضة غاز الصخر الزيتي في الولايات المتحدة أغرقت السوق الأمريكية بإمدادات وافرة من المواد الخام رخيصة الثمن (الإيثان) وقد منح هذا بدوره منتجي البتروكيماويات في الولايات المتحدة الأمريكية أفضلية التكلفة مقارنة بمنافسيهم في أوروبا وآسيا ــ من الذين يعتمد معظمهم بشكل كبير على النافتا باهظة الثمن كمادة خام. وعلى الرغم من أن هذه الأفضلية تلاشت مع الانخفاض الحالي لأسعار النفط، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال في موقع يخوّلها من تحقيق فوائد كبيرة من توفر الإيثان رخيص الثمن. باختصار، فإنه في الوقت الذي لاتزال فيه القدرات التنافسية لمنتجي منطقة الخليج الذين يعتمدون على الإيثان هي الأفضل في العالم، إلا أن منتجي أمريكا الشمالية أوشكوا للغاية على اللحاق بذلك الركب. وفي المجمل، أطلقت بيئة المواد الخام منخفضة الثمن العنان أمام إجراء توسعات هائلة في قطاع البتروكيماويات الأمريكي وفي الواقع، يُتوقع ازدياد طاقة الإنتاج القصوى من الإيثيلين بمعدل استثنائي يبلغ 7.5 مليون طن على مدى السنوات الخمس القادمة. وأضاف جيدريزجوسكي: لهذا السبب سترتفع مكانة ومركز منتجي البتروكيماويات في أمريكا الشمالية بشكل كبير يمكنّهم من مقارعة المُصدّرين الخليجيين عندما يتعلق الأمر بالتصدير إلى مناطق مثل شمال غرب أوروبا وآسيا. وبالطبع، ومع انخفاض أسعار النفط الذي لا تبدو له أي إشارات للانحسار، فإن التأثير الكامل لثورة غاز الصخر الزيتي سيكون مؤجلاً على الأغلب. ولكن مع ذلك، سنشعر به حتماً. دوامة الهبوط المتعاقب يعتبر انخفاض أسعار النفط مساهماً لا يمكن إنكار تأثيره على التوجهات الراهنة لقطاع البتروكيماويات في منطقة الخليج. ففي نهاية المطاف، انهارت أسعار خام برينت بشكل حاد من قيمة فاقت 110 دولار أمريكي في يونيو 2014، ليصل إلى ما دون 30 دولاراً في هذا العام. ونتيجة لذلك انخفض سعر النفتا بشكل حاد أيضاً. وتزامناً مع ذلك، تقلّص معدل الفارق السعري مع الغاز. ويرجع السبب وراء الموقف الحرج أو العصيب الذي يتركه انخفاض أسعار النفط إلى أن المنتجين الذين يعتمدون على النافتا هم في الحقيقة منتجون حديون للإيثلين ــ وتكلفة إنتاج الإيثيلين لديهم تحدد أساسيات سعر المنتج عالمياً وإقليميا. وبما أن أسعار منتجات البتروكيماويات ترتبط بشكل مباشر مع أسعار النفط ــ فإن انحدار أسعار النفط يترجم إلى خسارة حدية مباشرة للمنتجين، الذين لطالما تمتعوا بأفضلية المواد الخام، أي أغلب اللاعبين الشرق أوسطيين. ويفضل الانتشار الواسع للنفط ــ الغاز وجود مفاعلات التكسير في منطقة الخليج لكون السعر يتم تحديده عادة من قبل المنتجين الحديين في شمال شرق آسيا وأوروبا ممن يستخدمون النافتا كمادة خام.
مشاركة :