لغة جسدك أصدق من أقوالك «2-2»

  • 4/4/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

فأبدتْ ولمْ ينطقْ لساني لسمعهِ هواجِسُ نفسي سِرَّ ما عنهُ أخْفَتِ وكشفُ حجابِ الجسمِ أبرزَ سرَّ ما بهِ كانَ مستوراً لهُ منْ سريرتي ابن الفارض هل يعتبر المثل الشعبي القائل اقعدْ أعوج واحكي عدل صحيحا؟ ربما لا يتفق العلم الحديث مع مضمون المثل، حيث ثبت أن لغة الجسد هي أهم بكثير من الألفاظ التي ينطقها الإنسان. لذلك يقال عن الكريم بأنه طلق الحجاج، لأن حاجبي عينيه مبسوطان وليسا معقودَين، دلالة على البشر والفرح بالضيف. والعيون فضّاحة كما يقولون. فالمنافق والكاذب مهما حاول أن ينمق كلماته، فإن عينيه تفضحانه. ولو حدثك شخص عن الستر والحياء وهو مكشوف العورة فلن تصدقه. ولذلك سمّت العرب البرق الذي لا يتبعه مطر بالبرق الخُلَّب. فهو مثل الكلام الذي لا يطابق الفعل. من خلال أحدث الأبحاث في علم الأعصاب وعلم النفس، قد ثبت أن لغة الجسد أمر حاسم في فعالية القيادة. فقد ظهر أنها تؤثر على قدرة القائد على التفاوض، وإدارة التغيير، وبناء الثقة، وتعزيز التعاون مع الناس. فعلى سبيل المثال، وجد مختبر الإعلام بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن للإشارات الخفية وغير اللفظية أثرا بالغا في تفاعل الناس مع بعضهم. ففوزك أو خسارتك في المفاوضات مثلا، يتأثر بشدة بعوامل خارجة عن الوعي، مثل توافق وضعية جسمك مع الطرف الآخر، ومستوى النشاط البدني أثناء الحديث، ودرجة النغمة التي تضبط بها صوتك خلال المحادثة. فمن خلال أجهزة خاصة ترصد وتحلل أنماط الإشارات غير اللفظية، تمكن الباحثون الذين ليس لديهم اطلاع على محتوى المحادثات، من القدرة على التنبؤ بنتيجة المفاوضات بدقة تصل إلى 80%، خلال دقيقتين من بدئها. فكلنا مبرمَجون وراثيا للبحث عن إشارات الوجة وحركات الجسم الأخرى، مع القدرة على فك معانيها بسرعة. وعن طريق ذلك، نكسب الأصدقاء ونتجنب آخرين، ونؤثر ونتأثر بالناس. فقد وجدت دراسة في جامعة نيويورك، أن الناس تتخذ القرارات الرئيسة حول علاقة بعضها ببعض، من حيث تقييم المصداقية، والمودة، والثقة، والقيمة، والقوة، والمرتبة، والكفاءة، خلال سبع ثوانٍ من بدء اللقاء. والعجيب في الأمر، أن الناس تقيّم لغة الجسد دون وعي. فالآخرون قد يشكِّلون عنك رأيا سلبيا دون أن يعوا سبب ذلك. فأنت ربما لا تتفاعل بما لا يكفي من اتصال العين معهم، أو أنك تحدق في وجوههم كثيرا، أو أنك تقف قريبا جدا منهم حين تحدثهم. وبما أن الناس لا يدركون كيف أو لماذا قيّموك بهذا الشكل، فإنهم غير قادرين على تمحيص أحكامهم تجاهك. فالجوانب غير اللفظية للتواصل تكشف عن المشاعر والدوافع الكامنة للناس. وفي الواقع، فإن الناس لا تقيّم محتوى الرسالة التي ترسلها للآخرين، ولكن تقيّم المحتوى العاطفي للرسالة. فالمهم ليس ما نقوله، ولكن كيف نقوله وكيف نبدو عندما نقوله. وعندما لا يطابق كلامك لغة جسدك، فإن رسالتك تفقد معناها. فقد وجد علماء الأعصاب في جامعة كولجيت باستخدام أجهزة لقياس إشارات الدماغ، بأن الدماغ يصدر موجات منخفضة جدا عندما تكون هناك إيماءات تتعارض مع فحوى الحديث. فالناس يصدقون ما يَرَوْن وليس ما يسمعون، إذا وجد هناك تعارض بينهما. تحكي إحدى المتحدثات الشهيرات، بأنها مرت على عدة دول كمتحدثة، بدءا بالإمارات العربية المتحدة، فالصين، فالهند، ثم ماليزيا، ثم الفلبين، وانتهاء بأندونيسيا. ومن ملاحظاتها المهمة أن الناس زاد تأخرهم في الحضور سوءا حسب ترتيب هذه الدول في زيارتها. ففي جاكرتا وهي آخر محطة لها، كان وقت بدء اللقاء السابعة مساء. وعندما أبدت المتحدثة دهشتها لتأخر المستمعين، قيل لها: دعك من الإعلان. فنحن نعلن أن المحاضرة تبدأ الساعة السابعة، آملين أن يحضر الناس في الثامنة، ولكننا احتياطا لا نبدأ إلا في العاشرة. وعلى النقيض من ذلك، ما رأته المتحدثة في تورونتو بكندا، فقد كانت محاضرتها تبدأ في الساعة الثامنة صباحا. وحرصا من المتحدثة للتأكد من صلاحية الأجهزة السمعية والبصرية، فقد حضرت قبل بدء المحاضرة بساعة، لتفاجأ بطابور من الحاضرين يصطفون خارج القاعة. ولظنها أنها ربما كانت متأخرة، سألت إن كان الموعد قد جرى تبكيره عن الساعة الثامنة، فقيل لها بألا تقلق، فمن عادة الكنديين أن يأتوا مبكرين لحجز مقاعدهم. هذا التعبير غير اللفظي المتمثل في التأخر أو الانضباط في الحضور، يكشف لنا الكثير عن سمات الشعوب والأشخاص. فلا شيء يدمر مصداقية أي شخص أسرع من عدم ممارسة ما يدعو إليه. فبعض القادة يدعو للانضباط والالتزام بالوقت، ثم يأتي متأخرا إلى الاجتماعات، أو يدّعي أن الموارد البشرية هم أهم الأصول في المنظمة، ثم لا يلتفت لمطالبها. هذا الانفصام دائما ما يُكتشف ويؤدي إلى نتائج وخيمة على سمعة ومصداقية القائد والمنظمة.

مشاركة :