ناقش مجلس الشورى خلال جلسته الأولى من أعمال السنة الثانية لدورته السادسة التي عقدها أمس تقرير اللجنة الخاصة، بشأن مشروع نظام جباية الزكاة في الأنشطة التجارية والمهنية الذي تلاه رئيس اللجنة سليمان الماجد. وبين الماجد أن المشروع يتكون من 41 مادة ويهدف إلى تحسين البيئة التشريعية لجباية الزكاة ووضع قواعد تشريعية حاكمة ودقيقة من الناحية الموضوعية الشرعية لمسائل الزكاة وإرساء قواعد العدالة وسد ذرائع التهرب الزكوي. وأوصت اللجنة الخاصة بالموافقة على مشروع النظام، حيث رأت أنه يحقق توازناً في جانبيه الموضوعي والإجرائي ويرسي قواعد عادلة بين المكلف والمصلحة وسيكون بصيغته المعدلة بانياً لبيئة تشريعية مثلى لجباية الزكاة. وأوضح تقرير اللجنة إدخالها تعديلات على مشروع النظام بإضافة مواد جديدة وتعديل بعض المواد، حيث أدرجت مادة جديدة تجيز للمكلف دفع جزء من زكاته إلى جمعية خيرية تكون مرخصة للعمل داخل المملكة ومخولة بتلقي أموال الزكاة وأن تسلم في العام الزكوي محل الجباية، وتودع بموجب قسيمة إيداع بنكية وألا يزيد المبلغ على 20 في المائة من الزكاة الواجب جبايتها. كما أضافت فقرة جديدة على المادة الرابعة أخضعت فيها الأراضي المعدة للتجارة والعقارات الاستثمارية للزكاة حتى لو كانت مملوكة للأفراد. ووضعت اللجنة توضيحاً للأراضي المعدة للتجارة في هذه الفقرة بأنها التي يقر مالكها بذلك أو يعرضها لمساهمة عامة أو خاصة، أو كانت مساحتها زائدة بصورة ظاهرة على حاجة المكلف الخاصة وأسرته؛ بحسب العادة الغالبة وتبين اللائحة المساحات التي تخضع للجباية بموجب هذه المادة. وبينت اللجنة في الفقرة ثالثاً من المادة الرابعة أن العقارات الاستثمارية المقصودة في هذه الفقرة تشمل المجمعات السكنية والأسواق والمعارض التجارية. وأوضح رئيس اللجنة أن فرض الزكاة بهذه القيود تقتضيه السياسة الشرعية؛ من وجوه منها أن المساحات الشاسعة لا تُتخذ عادة للقنية، وإنما لغرض البيع، والشاذ النادر لا حكم له، وأن وجود مساحات كبيرة من الأراضي البيضاء تُتداول شراء وبيعا وتصل أثمانها إلى آلاف المليارات دون أن تظهر آثارها في سد حاجة الفقراء والمساكين دليل على وجود خلل في أصل إخراج الزكاة أو في آلية صرفها؛ من ثم عدم الشفافية المالية فيكون ذلك سببا من أسباب تدخل السلطة في جبايتها يمثل أقل المفاسد بحسب قواعد السياسة الشرعية. وأضاف الماجد أن الوصف الثالث شمل قيودا لها أثرها في تضييق الاجتهاد في اللائحة بقدر الإمكان، وكذلك مراعاة اختلاف نوع الأراضي من تجارية وسكنية وزراعية . وبين أن اللجنة لم تتجه إلى تضمين مشروع النظام مساحات معينة، وأوكلت ذلك إلى اللائحة التي ستصدر بطريقة مؤسسية من خلال لجنة يُسمى أعضاؤها بأمر عال ؛ وذلك لكون تقدير المساحات يختلف باختلاف الأزمنة، وأنواع الأراضي من سكنية وتجارية وزراعية، وقد تكون تلك المساحات عرضة للتغيير زيادة ونقصا؛ بحسب تغير أنماط الحياة، وطرق معيشة الناس في مساحة المسكن؛ فناسب أن يكون ذلك منوطا بقرار يتسم بالمرونة؛ ليكون أقوى في الوصول إلى مقاصد الشريعة في تحقيق العدل. وأوضح الماجد أنه لو قال قائل إن الصحابة يكلون الأمر إلى المكلف في ديانته، فإن هذا لا يستقيم الآن لأن الأمور تغيرت، وقد انتهج عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد بعض السياسات التي لم يكن عليها الصحابة نظرا لاختلاف الأحوال وقال في ذلك قولته الشهيرة "يجد للناس من الأقضية بقدر ما أحدثوا من القضايا". وبعد طرح تقرير اللجنة ومشروع النظام للنقاش رأى الدكتور خالد آل سعود أن مشروع النظام بصيغته الحالية لا يتناول الكثير من أوجه الزكاة، كزكاة الخارج من الأرض، وزكاة بهيمة الأنعام، وزكاة النقود من الأفراد، داعياً إلى شمول هذه الأوجه في مشروع النظام ليكون نظاماً جامعاً لكل الأوجه الشرعية ولتكون مصلحة الزكاة والدخل قادرة على الجباية بموجب نظام شامل يغطي الأوجه كافة. من جانبه، أكد الدكتور محمد آل ناجي ضرورة النص في مشروع النظام على تحديد مساحة الأرض الواجب فيها الزكاة وعدم ترك ذلك للائحة التنفيذية، وأيده عضو آخر محذراً من وجود ثغرات قد يستعصي على الجهات التنفيذية مواجهتها دون تشريع واضح وصريح، وأضاف أن النظام يشمل الأفراد الذين لا يوجد ما يلزمهم بإظهار أموالهم الباطنة خصوصاً أن الكثير من الأنظمة التي قد تساعد في هذا المجال لم تطبق بعد مثل نظام التسجيل العيني للعقار. وانتقد الدكتور خضر القرشي الوضع القائم في تجارة الأراضي، مشيراً إلى أنها "تجارة طفيلية" لا تسهم في دعم الاقتصاد وتنميته وقال إن أصحابها جمعوا من الأموال واحتكروا الأراضي وأسهموا في غلاء الأسعار وجعلوا من الصعوبة لمتوسطي الدخل أن يمتلكوا سكنا، وطالب بأن يشمل مشروع النظام المساهمات المتعثرة ويقدم لها معالجة شرعية، وأضاف أن النظام لم يتطرق للأرصدة الكبيرة المودعة في المصارف، حيث إنها لا تعتبر من الأموال "الباطنة" بل هي "ظاهرة" ومعلومة لدى الجميع ويجب أن يشملها النظام ويجب عدم الاستسلام لمبررات مثل الخوف من هجرتها إلى الخارج لأن ذلك يدخل في اختصاصات الدولة التي تستطيع أن تعاقب المتهربين من الزكاة وأن تضبط شبهة التهرب الزكوي. وطالب الدكتور خالد العقيل بأن يشمل النظام أوجه صرف الزكاة كما هو الحال مع جبايتها، مشيراً إلى أن النظام لا يعطي المكلف الحق في صرف زكاة على الأقربين الذين هم أولى بالمعروف، مطالباً بأن يجد النظام مخرجا، لذلك يضمن تحقيق هذه المسألة لما لها من آثار اجتماعية مهمة وذات تأثير كبير. واقترح عضو آخر إنشاء سجل زكوي خاص بالأفراد يعالج القصور في جباية الزكاة، خصوصاً أن الكثير من الأفراد يملكون أموالاً قد تفوق الجهات التجارية والمهنية المستهدفة في هذا النظام. واستغرب أحد الأعضاء إقحام الأفراد في نظام مخصص لجباية زكاة الجهات التجارية والمهنية، مشيراً إلى أن زكاة الأراضي بالنسبة للمؤسسات التجارية والمهنية متحققة على أرض الواقع حيث إن كل مؤسسة لديها محاسب قانوني وتخرج سنوياً زكاة موجوداتها وتعلن في قوائمها المالية. وأيد ذلك أحد الأعضاء الذي قال إن الشركات لديها أنظمة محاسبية تغطي مسألة زكاة الأراضي التي تدخل ضمن أصولها. ونبه عضو آخر إلى أن النظام لم يوضح في شموله الوحدات السكنية التجارية هل المستهدف عين العقار أم دخل العقار؟ كما أن النظام لم يتطرق للأراضي تحت التطوير حيث إن المطور لا يستطيع التصرف في الأرض لأنها ما زالت تحت التطوير. وبعد مناقشة الفصول الثلاثة الأولى من مشروع النظام قرر المجلس استكمال مناقشة بقية فصول مشروع النظام في الجلسة الثانية التي يعقدها اليوم. من جهته، بين الدكتور يحيى الصمعان عضو اللجنة الخاصة بدراسة مشروع نظام الزكاة في المجلس، في حديث لـ "الاقتصادية" أن النظام ينص صراحة على فرض زكاة على الأراضي المعدة للتجارة، وعلى العقارات الاستثمارية كالمجمعات السكنية والأسواق والمعارض التجارية، مشيراً إلى أن المضاربات العقارية ألحقت أضرارا فادحة بالاقتصاد الوطني، وبشريحة كبيرة من المواطنين، وأدت إلى ارتفاع فاحش في أسعار الأراضي والعقارات استفاد منه هوامير العقارات الذين يقومون بحبس هذه الأراضي إلى أن يرتفع سعرها. مضيفاً أن تجميد رؤوس الأموال الكبيرة في الأراضي لفترة زمنية طويلة يعد كنزا للمال لا يختلف عن كنز الذهب والفضة، كما يعد من الاحتكار الذي حرمته الشريعة الإسلامية . وأكد الصمعان أهمية وضع آلية فاعلة لتنفيذ ما ينص عليه نظام الزكاة بخصوص فرض الزكاة على الأراضي المعدة للتجارة تأخذ في الاعتبار الضوابط التي ينص عليها النظام، ومن الأمور المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار أن فرض الزكاة من الناحية الشرعية يجب أن يتم بصفة سنوية بما يعادل 2.5 في المائة من قيمة الأرض، ويجب أن تمنح مصلحة الزكاة والدخل الحق في اتخاذ الإجراءات الخاصة بإيقاف الخدمات عمن لا يقومون بسداد الزكاة المستحقة عليهم، وأن يتم تطبيق ذلك على الجميع.
مشاركة :