تكمن السمة الغالبة للاقتصادات الريعية بكون الجزء الغالب من دخل الدولة يستمد من أنشطة غير إنتاجية، مثل الموارد الطبيعية أو العقارات أو الأصول المالية، وليس من أنشطة إنتاجية مثل التصنيع أو الخدمات. وتواجه الاقتصادات الريعية تحديات، مثل عدم الاستقرار الاقتصادي، والتعرّض للتقلبات في أسعار السلع الأساسية، وعدم المساواة في توزيع الدخل، مما يسهم في حدوث تفاوتات اجتماعية واقتصادية، وظاهرة «المرض الهولندي»، حيث يؤدي التطور السريع لقطاع واحد من الاقتصاد (خاصة قطاع الموارد الطبيعية) إلى تسريع التدني في القطاعات الأخرى. وتعدّ دولتا روسيا والنرويج من أبرز الأمثلة على الاقتصادات الريعية غير العربية. تواجه روسيا تحديات اقتصادها الريعي الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز. وقد بذلت الجهود للتنويع الاقتصادي بدعم تطوير القطاعات غير المتعلقة بالطاقة. أما صندوق الثروة السيادية في روسيا، فيستهدف التخفيف من تأثير تقلب أسعار السلع الأساسية. كما بدأت الدولة في تنفيذ إصلاحات هيكلية لتحسين بيئة الأعمال وتشجيع الابتكار، إلّا أن العوامل الجيوسياسية، بما في ذلك العقوبات وحال الطاقة العالمي المتغير، قد أدت إلى زيادة تعقيد المشهد الاقتصادي في روسيا. أما النرويج فكثيراً ما يُستشهد بها كمثال ناجح للتعامل مع التحديات المرتبطة بكونها اقتصاداً ريعياً. وفي مقدمة الجوانب التي أفرزت هذا النجاح إنشاؤها صندوقا سياديا عام 1990 لإدارة الثروة النفطية، وهدفه الأساسي هو استثمار فائض الإيرادات من استخراج النفط والغاز لمصلحة الأجيال القادمة. كما اشتهر هذا الصندوق بتنوّع محفظته، مما يساعد في التخفيف من تأثير التقلبات بأسعار النفط ويوفر مصدر دخل مستقلا عن القطاع النفطي، فضلاً عن الالتزام بالانضباط المالي بالادخار خلال فترات ارتفاع أسعار النفط واستخدام المدخرات لتحفيز الاقتصاد أثناء فترات الركود. وتتبع النرويج نهجًا من الحوكمة الشفافة والمسؤولة في إدارة صندوقها السيادي، بالنشر الدوري لمعلومات تفصيلية حول استثماراته، فضلاً عن الاقتداء بمبادئ قيمية كتقييد الاستثمار في شركات إنتاج التبغ أو الأنشطة المؤدية للأضرار الشديد بالبيئية. ولم يغفل البرنامج جوانب الرعاية الاجتماعية العالية الجودة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، كما صممت السياسات الاجتماعية في النرويج لضمان مستويات منخفضة نسبيًا من عدم المساواة في الدخل، والتركيز بشدة على الاندماج الاجتماعي. وقد التزمت خطة الإصلاح في النرويج بشكل أساسي، بتحقيق التنوع الاقتصادي، من خلال الدعم النشط لتطوير القطاعات غير النفطية، لتقليل الاعتماد على مورد وحيد للدخل، مع ترافق ذلك برؤية تطلعية طويلة المدى تلتزم بالتنمية المستدامة. وتثبت حالة النرويج أن الإدارة الفعالة للموارد، والانضباط المالي، والإدارة الشفافة، والالتزام بالرفاهة الاجتماعية، من الممكن أن تسهم في التغلب بنجاح على التحديات المرتبطة بكون الاقتصاد ريعياً. ويمكن اعتبار النرويج نموذجًا لدولة غنية نجحت في تجنّب المزالق المرتبطة بالاعتماد الكبير على عدم تنوّع مواردها الطبيعية. * كاتب واقتصادي عربي
مشاركة :