وجهة نظر: الاقتصاد الريعي ونعمة الموارد الطبيعية ونقمتها

  • 5/20/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يشير مفهوم الريع، اقتصادياً، إلى أنه في حالة تملّك شخص معيّن أو مؤسسة معينة لأصل يدرّ إيرادا يفوق معدل الربح في القطاع الذي ينتمي له، فيمكن اعتبار هذا الإيراد ريعا. ويتسق ذلك مع تعريف فيبلن T. Veblen للريع بأنه «الدخل غير المكتسب». وشاع استخدام الريع، اقتصاديا، مع اكتشافات الموارد الطبيعية، وما رافقها من ظهور سلوكيات اقتصادية، تمّ توصيفها عام 1977، من قبل مجلة الاقتصادي The Economist، تحت مصطلح المرض الهولندي Dutch Disease، الذي رافق إنتاج الغاز الطبيعي في هولندا. ولعل من أهم ما أشارت اليه المجلة في هذا الصدد هو ميل سعر الصرف للارتفاع Appreciation، وتأثير ذلك على توجّه المخصصات الاستثمارية نحو الأنشطة المرتبطة بالمورد الطبيعي، أو الأنشطة محل التجارة الدولية Tradables، وابتعادها عن تلك الأنشطة ليست محل تلك التجارة Non- Tradables، وذلك بفعل انخفاض الميزة التصديرية للأنشطة الأخيرة. ولعل أول من ساهم في تأصيل العديد من خصائص وسلوكيات الاقتصاد الريعي، حديثا، هو الاقتصادي حسين مهدوي H. Mahdavy، عام 1970، في كتابه حول: أنماط مشاكل التنمية الاقتصادية في دولة ريعية، الصادر عن جامعة أكسفورد. وأشار الى عدد من الخصائص أساسية: (أ) الاعتماد على ريع المورد الخارجي، و(ب) معاناة الاقتصاد من قطاعات محلية تتصف بانخفاض الإنتاجية وفصل علاقة التوأمة الطبيعية بين العمل/ المكافأة، و(ج) ندرة عدد الأنشطة المسؤولة عن توليد الثروة وكثرة تلك المسؤولة عن التوزيع، و(د) تعتبر الحكومة أكبر متسلّم لعوائد الريع، و(هـ) تواضع الدخل من الضرائب، وتنامي التحويلات، ومن ضمنها الدعم. (و) محاباة نظام القيم Value System، تدريجيا، لمصلحة القدرات الشخصية، وليست المهنية، للحصول على المكاسب. وشهدت البلدان المعتمدة على الريع إما نعمة Resource Blessing (النرويج مثالا) أو نقمة or Paradox of Plenty Resource Blessing (فنزويلا مثالا) مرتبطة بالموارد الطبيعية. أولا: عند الحديث عن النرويج، البلد غير النامي، التي اكتشف بها النفط عام 1969، فقد كانت تتمتع بمستوى تعليمي وديموقراطي ومؤسسي راق. وارتفع متوسط دخل الفرد، بعد النفط، من حوالي 3306 دولارات عام 1970، الى حوالي 109729 دولارا عام 2022. وتعتبر تجربة النرويج وخبرتها مع الصندوق السيادي، المنشأ عام 1990، (صندوق التقاعد حاليا الموجّه لاستثمار الفوائض النفطية)، من أفضل التجارب الدولية، حيث وصلت قيمة أصوله عام 2024، الى حوالي 1.62 تريليون دولار. ولعل من أهم مميزات هذا الصندوق، إضافة الى دوره، وفق قواعد مالية صارمة، معالجة عجز الميزانية العامة للدولة حالة حدوثه، فضلا عن دوره في امتصاص التأثير السلبي للصدمات الخارجية، هي احترامه للاعتبارات الأخلاقية في إدارة أموال الصندوق، حيث صدر قرار ملكي، عام 2004، بإنشاء المجلس الأخلاقي Ethical Council، بهدف تعقب كل استثمارات الصندوق في مختلف الشركات والفرص الاستثمارية المتاحة دوليا، وتجميد التعامل مع أي جهة تثار ضدها اتهامات الفساد، والتعامل مع إنتاج الأسلحة، وغسل الأموال، والتهرب الضريبي، وغيرها من ممارسات الأعمال اللاأخلاقية (مع نشر أسمار هذه الشركات). علما بأن الرقم القياسي لمدركات الفساد في النرويج وصل، عام 2023، الى 84 (تتراوح قيمة المؤشر بين 0 و100، وكلما قلّت القيمة ساء وضع البلد في مجال الفساد). ثانيا: تعتبر تجربة فنزويلا (التي تمتلك أضخم احتياطي نفطي، قدّر عام 2023 بحوالي 303 مليارات برميل) من أهم الأمثلة التقليدية على ظاهرة ارتباط المورد الطبيعي بالنقمة، سواء من حيث السياسات المالية التوسعية Expansionary Fiscal Policies، وارتفاع مساهمة الإنفاق الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، 37.27 بالمئة عام 2018، إلا إن النسبة انخفضت الى 14.38 بالمئة عام 2023، واستمرار سيطرة الصادرات النفطية على إجمالي الصادرات (حوالي 95 بالمئة)، والتوسع بالدعم غير المبرر وغير الموجه لمستحقيه (وصل دعم الطاقة الى حوالي 21.33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021)، وتنامي الدين العام (حوالي 148 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023)، ومحدودية دور القطاع الخاص التنافسي، وغير المحتكر (يمتلك القطاع الخاص حوالي ثلث إجمالي الأصول، عام 2020)، وارتفاع معدل التضخم (حوالي 337.46 بالمئة عام 2023) وعدم التمكن من التخلص من الفشل المؤسسي، حيث لا تزال قيمة مؤشر مدركات الفساد من أعلى القيم (13)، لعام 2023، وتواضع أداء الصناديق الاستثمارية والتنموية الثلاثة: صندوق الاستثمار الفنزويلي (1974)، وصندوق الاستثمار للاستقرار الاقتصادي الكلي (1998)، وصندوق التنمية الفنزويلي (2005)، لأسباب مختلفة، أغلبها مؤسسية. ختاما، فإن خيار «نعمة الموارد» لا يزال مطروحا على الطاولة أمام تلك البلدان المعتمدة على الموارد الطبيعية، وغير المتنوعة اقتصاديا. وأن الحل السحري لتحويل الاقتصاد من ريعي الى آخر منتج هو، وقبل كل شيء، تبني الإصلاح الإداري والمؤسسي، وعلى أسس مهنية بحتة وتنافسية محليا، وإقليميا، ودوليا. وسوف يتبع ذلك، آليا، إصلاح بقية أنشطة وقطاعات الاقتصاد المعني. * د. أحمد الكواز :مستشار اقتصادي أول

مشاركة :