الجمال.. صفة تُلحظ في الأشياء، وتبعث في النفس سروراً، أو إحساساً بالانتظام والتناغم، والجمال أيضاً صفة ذات معايير تختلف من شخص لآخر، حيث يرى إيمانويل كانط «فيلسوف ألماني»، أنه: «ليست هناك قاعدة ثابتة، ولا أطر محددة يستطيع المرء بها أن يتعرَّف على جمال شيء ما». وهذا ما يثري ميدان الجمال، ويعزز قدرة الإنسان على محاربة القبح بكل أشكاله. من الرائع أن يظهر الجمال بشكل مادي، أو معنوي في الروح، والفن بمختلف أنواعه، والمظهر والكلام، والعبادة والسلوك والتعايش، فهو يعطي دلالات على الارتياح والسعادة، ويصنع الفرح أينما كان وظهر، وهو أحد المفاهيم الثلاثة التي تُنسب إليها أحكام القيم الإنسانية: الجمال والحق والخير. وفي نفس السياق، فإن الجمال قد يكون ملموساً، أو غير ملموس، وأستحضر هنا مقولة للمربية والروائية الأمريكية هيلين كيلر: «الأشياء الأكثر جمالاً في العالم لا يمكنك رؤيتها، أو حتى لمسها، يجب أن تشعر بها بقلبك». «إن الله جميل يحب الجمال». ليست مجرد مقولة، وإنما هي حديث شريف، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وأخرجه عدد كثير من أهل الحديث، كما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتجمَّل للوفود، بل إن القرآن الكريم وقف موقفاً صريحاً ضد الحاملين على قضية الجمال الإنساني، فأضاف سبحانه وتعالى الزينة إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم. إذا كانت الرياضة تغذِّي الجسم، والعبادة تقوِّي الروح، والعلم ينمِّي العقل، فإن الجمال يُحيي الوجدان، ويَسمو بالإنسان إلى أرقى المراتب، وهنا لابد أن نذكر مقولة ذكرها المفكر السوري مصطفى السباعي: «إذا نظرت بعين التفاؤل إلى الوجود من حولك، فسترى الجمال في كل مكان». إن الجمال هو الإخلاص. ومن حكايات التاريخ، يحكى أن الحجاج بن يوسف، قبض على ثلاثة أشخاص في تهمة، وأودعهم السجن، ثم أمر بهم أن تُضرب أعناقهم، وحين قدموا أمام السياف، لمح الحجاج امرأة ذات جمال تبكي بحرقة، فقال: أحضروها. فلما حضرت بين يديه، سألها ما الذي يبكيها؟ فأجابت: هؤلاء النفر الذين أمرت بضرب أعناقهم هم زوجي، وشقيقي، وابني فلذة كبدي، فكيف لا أبكيهم؟ فقرر الحجاج أن يعفو عنهم جميعاً. وقد أذهلني ما ذكره الفيلسوف الكبير أبو نصر محمد الفارابي، حين قال: إن الجمال أشمل وأعم من الجلال. وهو يرى أنه: كما أن الكمال في الجلال كائن، فكذلك يكون الكمال في الجمال، والكمال هو أصل للجلال والجمال. قد يفتقر الجمال إلى فضيلة ما، أما الفضيلة فلا تفتقر إلى الجمال أبداً.
مشاركة :