التكريم ظاهرة عالمية رأت المجتمعات البشرية على اختلاف ثقافاتها ضرورتها والحاجة إليها من أجل تحفيز الأفراد المبدعين في مختلف المجالات، وهي تتدرج في مستوياتها وتتنوع في طبيعتها وأهدافها حسب ثقافة المجتمعات. كما أن «التكريم» هو معنى سام يتم من خلاله ترسيخ القيم الإنسانية والاجتماعية، ويساهم في إبراز مفهوم الاحتفاء والتقدير والاحترام للإنسان المبدع، وهو أمر يبعث في نفس المُكرم شعور الشكر والامتنان والغبطة والسرور لوجود من قدر عمله وثمن جهده، كما أنه قيمة ضرورية للمجتمعات الإنسانية، وهو أمر درجت على القيام به العديد من الجهات والأفراد على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية، وتأتي في أشكالٍ مختلفة، منها الشهادات أو الدروع أو الأوسمة أو التسميات، كما أنها تكون مقابل العديد من الأعمال للمبدعين والمتفوقين والمتميزين، ومَن قام بعمل غير عادي كان له أثر وقيمة إنسانية عظمى، وتقام للمكرم مناسبة يُدعَى لها بعض الشخصيات والأفراد، ليشرفوا ذلك التكريم ويستمعوا إلى الكلمات التي تلقى في مثل هذه المناسبة. تكريم الإنسان على إخلاصه وأدواره المتميزة وأثره الحسن، يرسي قيماً إنسانية واجتماعية ومهنية، ويبعث في النفس دلالات الاحتفاء، ويعكس التقدير لجهوده، ويبرز الاهتمام به، ويشعره بقيمة ما يفعل ويصنع. التكريم عادة لطيفة درجت عليها المجتمعات على المستويات الرسمية وغير الرسمية في مختلف الأنشطة، التكريم يكون مردوده أكبر، ونتائجه أشمل، وفوائده أكثر، تعود على الإنسان والوطن والمؤسسة بالخير والفائدة. التكريم يكون للعمل المتميز غير المسبوق، وللشخص المتميز الذي يستحق. مفهوم التكريم: قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [سورة الإسراء:70] بمعنى أن التكريم هو إعطاء الإنسان الكرامة اللائقة به ككائن حي تمييزاً عن غيره، وهذا تفسير لمعان واعتبارات منطقية تدل على الكرم والكرامة من المعطي الخالق الكريم سبحانه وتعالى، حيث يحظى هذا الإنسان، ويحظى بخصائص ومزايا تستحق التكريم كما أن العبرة من التكريم هو تحفيز ومكافأة وتشجيع للشخص أو الكائن المكرم ودافع وحافظ له ولغيره لمزيد من العطاء ولمزيد من البذل ولمزيد من المحافظة على الصفة أو الخاصية المكرم من أجلها. وفي الدين الإسلامي تم تكريم المتقين عن غيرهم: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: 13]، والأمثلة كثيرة ودلالتها أعظم وهامة في الشرائع السماوية وفي ديننا الإسلامي على وجه الخصوص، وقد أعطى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صاحب الخلق العظيم النماذج الحقيقية في تكريم الصالحين والمخلصين والأتقياء، مثل: بلال بن رباح، وسلمان الفارسي بالرغم من عدم تمتعهم بخصائص القرب العائلي أو القبلي. دلالات التكريم: ومن هذه الدلالات أولاً: التكريم صفة حضارية ترتبط بقيم سامية وأهداف نبيلة تخدم المجتمعات المتقدمة. ثانياً: إن التكريم للإنجازات أو الأشخاص المتميزين أو المبدعين هو عامل محفز ودافع إيجابي هادف لمزيد من الإبداع والتميز للشخص أو العمل المنجز واستمرار لهذا التوجه في المجتمع.. ثالثاً: إن التكريم وإن كان رمزياً في شكله فإن دلالة معناه عالية في قيمتها تربوياً وإدارياً لمزيد من الإنتاج في المؤسسة «الجهة المكرِمة مما يدفع بشكل غير مباشر في التنمية العامة للتقدم والتطور للوطن أو الدولة. رابعاً: إن الأشخاص المكرمين والأعمال المكرمة هي جزء من تراث وتاريخ المجتمعات البشرية يحرص كل من يستحقه على أن يرصد ويسجل ليستفيد منه في البناء عليه وهكذا. انواع التكريم: من خلال متابعتي للمشهد الثقافي في المملكة منذ سنوات وجدت أن «التكريم» على كافة المستويات أنواع منها: ما يكون شكرا وتقديرا، ومنها ما يكون رد اعتبار، ومنها ما يكون اعتذارا، ومنها ما يكون للتعريف والتأييد، ومنها ما يكون للتشجيع والتحفيز، ومنها ما يكون للإعلان عن إنجاز ما، ومنها ما يكون للإعلان عن مولد إبداع جديد، وقد تعودت المجتمعات ونحن منها أن يكون التكريم بعد وفاة المبدع والمميز ، إلا أنه مؤخراً تم معالجة هذه القضية، وحرصت العديد من الجهات الحكومية والخاصة على المبادرة بتكريم الشخصيات المستحقة قبل وفاتها حفظا لنتاجها الفكري وتقديرا لجهودها ولتبقى في ذاكرة المجتمع. نماذج من مجالات تكريم الأدباء والمثقفين في المملكة: هناك مجالات ومساحات مختلفة ومتنوعة للتكريم والاحتفاء على مستوى المشهد الثقافي السعودي، ترعاه الدولة بشكل رسمي: أولا: جائزة الدولة التقديرية للأدب جائزة أدبية سعودية أنشئت 1983م -1403 هـ باقتراح الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- الرئيس العام لرعاية الشباب آن ذاك وتمنح كل عام لثلاثة من الأدباء السعوديين الذين أسهموا في إثراء الميادين الفكرية، استمرت لعامين فقط 1404 هـ -1405 هـ الدورة الأولى (1404 هـ)منحت لكل من: ( حمد الجاسر، أحمد السباعي، عبدالله بن خميس) رحمهم الله جميعا. الدورة الثانية (1405 هـ) منحت لكل من: (الأميرعبدالله الفيصل، أحمد عبدالغفور عطار، طاهر زمخشري) رحمهم الله جميعا. ثانيا: الشخصية المكرمة في المهرجان الوطني للتراث و الثقافة (الجنادرية) منحت لعدد من الأدباء والمفكرين السعوديين منهم: الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- ، الشيخ ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، والأستاذ سعد البواردي، والدكتور عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- وغيرهم كثير. ثالثا: جائزة الملك فيصل العالمية هي مثال عالمي آخر لتعزيز الاهتمام بالمبدعين من العلماء والأدباء في مختلف مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية في الداخل والخارج. رابعا: جوائز مختلفة تتنافس الوزارات ومؤسسات القطاع الخاص على تأسيس عدد من الجوائز التي تستهدف تكريم المتميزين والاحتفاء بالمبدعين على مستوى الوطن. تكريم الأدباء والمثقفين في ملتقى قراءة النص: لا يغيب عن إدارات النادي الأدبي الثقافي بجدة المتتالية منذ مؤسسه الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين –رحمه الله-حتى فارسه المعاصر الدكتور عبدالله السلمي، لا يغيب عنهم فكر التكريم و ثقافة الاحتفاء و منهج الوفاء لكل من يستحق الوفاء في المشهد الثقافي السعودي على امتداد وطننا الكبير، لتبقى تلك الرموز حية بيننا وخالدة في ذاكرة الثقافة السعودية. سأبدأ ورقتي بما كتبه الدكتور عبد الله بن عويقل السلمي رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة في مقدمة الإصدار الاحتفالي «عبد المقصود خوجة عاشق الثقافة ورمز التكريم بأقلام نخبة من المثقفين والذي أصدره النادي على هامش ملتقى النص 19: « يظل نادي جدة -مهما تعاقبت عليه الأيام وتتابعت الأعوام -منبر وفاء كما هو منبر أدب وثقافة و عطاء - لا ينسى فضل الرموز « معايير وأسس التكريم: المتأمل في قائمة المكرمين في النادي الأدبي الثقافي بجدة على هامش ملتقى قراءة النص أوفي غيره من الأوقات يجد أنهم جميعا أسهموا في صياغة المشهد الثقافي المحلي والعربي بذلوا جهدا نوعيا إيمانا منهم بأن الثقافة فعل إنساني نبيل. المكرمون في ملتقى النص: لقد كرم النادي الأدبي الثقافي بجدة الكثير والكثير من الأدباء والمفكرين منهم: الأستاذ حمزة شحاته -رحمه الله-، الأستاذ حسن عبدالله قرشي -رحمه الله، الأستاذ محمد الثبيتي -رحمه الله-، الأستاذ أحمد عبدالغفور عطار -رحمه الله-، الأستاذ عبدالله عبدالخالق -رحمه الله-، الأستاذ عابد خزندار -رحمه الله-،الأستاذعبدالفتاح ابومدين -رحمه الله-،الدكتور عبدالله الغذامي،الدكتور عبدالله مناع،الأستاذ حمد القاضي،الشيخ عبدالمقصود خوجه -رحمه الله- من خلال الاحتفالات المقامة على هامش ملتقى النص في كل عام يتم تقديم «شهادات» و»دروعا» و»هدايا» تذكارية للمحتفى به كما يستمع الحاضرون لتلك الاحتفالات إلى عدد من الأدباء والنقاد في أحاديث تضم دراسات و رؤى نقدية تجاه مسيرة و سيرة الشخصية المكرمة والمنجز الثقافي لها، وبعضهم يمنح العضوية الشرفية للنادي، ويحضر هذا الاحتفاء والتكريم أسرة المكرم والمحتفى به في جو حميمي يدعو للفخر والاعتزاز بالمبدع والأديب والمثقف الرائد من قبل أهله وذويه مما يعزز «الرمزية» لذلك المكرم في ذاكرة المجتمع. توصيات: • تكريم الأديب حافز كبير واعتراف بقيمة إبداعه، وكم يكون سعيدا إذا تم هذا التكريم في حياته وهذا ما يفعله النادي. • توفير مؤلفات الأديب «كتبه وأبحاثه» للجمهور ليتسنى الاطلاع عليها. • التواصل مع الجهات الحكومية الخدمية لتسمية الشوارع والميادين العامة بأسماء هؤلاء المكرمين. • التواصل مع الجامعات الحكومية والخاصة لتسمية بعض قاعات تلك الجامعات بأسماء المكرمين في الملتقى، كما فعل الدكتور عبد الله دحلان مدير جامعة الأعمال والتكنولوجيا عندما إعلان عن إطلاق اسم الشيخ عبد المقصود خوجة- رحمه الله- على قاعتها الكبرى، حفل تكريم خوجة العام الماضي في حفل افتتاح ملتقى قراءة النص 19. الخاتمة: متى يتحول الأديب والشاعر و الروائي و القاص السعودي الى «سطر في المدرسة»، أقصد متى تأخذ إبداعات أولئك الأدباء و الشعراء السعوديين طريقها الى المناهج والمقررات المدرسية؟ بشكل مدروس يتيح الفرصة للأجيال القادمة للاطلاع على إبداعات الأدباء والمثقفين السعوديين على مختلف اطيافهم. وحيث ورد ضمن أهداف النادي الأدبي الثقافي بجدة:» توثيق أواصر الصلات مع الأدباء والمثقفين، ودعم نتاجهم الأدبي والثقافي «لذا يحرص النادي على تكريم الأدباء والمثقفين، من خلال ملتقى قراءة النص السنوي على مدار السنوات الماضية ،مما يؤكد دعم إدارة النادي للأدباء السعوديين ونتاجهم الأدبي والثقافي ودوره في تكريم البارزين والمبدعين من الأدباء والمثقفين، مما يسهم في، رفع مستوى جودة الحياة الثقافية تحقيقاَ لأهداف رؤية 2030 بقيادة سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-.
مشاركة :