'دفتر العقل' يدوّن اتجاهًا شعريًّا جديدًا

  • 3/13/2024
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - دخل العلم والتكنولوجيا في كل مناحي حياتنا بطريقة غير مسبوقة، وتحكمت شبكة الإنترنت في مفاصل تلك الحياة، وجلبت معها عصرًا جديدًا اتفق على تسميته بالعصر الرقمي أو عصر "الحداثة الرقمية" وأعلن المفكرون والعلماء المعاصرون نهاية عصر الحداثة وعصر ما بعد الحداثة، لتتسيد الحداثة الرقمية المشهد العالمي. وتستجيب صنوف الإبداع لعصر العلم والتكنولوجيا ومعطيات الحداثة الرقمية، ويلوح في الآفاق اتجاه جديد يختلف عن اتجاه الإبداع السابق في وصف المخترعات الحديثة الذي كان يتناول الظاهرة من الخارج ولا يقترب منها ولا يرصد وقعها على المشاعر الإنسانية. أما الاتجاه الجديد؛ وخاصة الاتجاه الشعري الذي يدعو إليه الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول فهو الدخول إلى قلب المنجز – أو الظاهرة العلمية – ومحاولة سبر أغواره ورصد مشاعر الإنسان وانفعالاته تجاهه، وكيفية تفاعله معه، وهل يتقبله وجدانه كواقع حياتي يتعايش معه، أم يرفضه ويقاومه، وهل هذا المنجز سيحط ُّمن قيمة الإنسان أم سيعلِّي من إنسانيته؟ ويرى شبلول أن خطوات التكنولوجيا الجديدة تتسلل إلى حياتنا اليومية وتتحكم في إيقاعها وتختصر مدراج الزمن؛ هذا الزمن الذي هو أشد العناصر الحياتية وقعًا على النفس البشرية، كما أنها تسهم في التصور العقلي البشري لواقعه ومستقبله على ضوء التجارب الجديدة. ومن هنا فإنه يتطلع إلى الإسهام بتجربة شعرية جديدة ومغايرة من خلال ديوان شعر تتمحور قصائده حول هذا المفهوم، اختار له عنوان "دفتر العقل" يحاول فيه أن يجسد تلك العلاقة بين الإنسان والعلم والتكنولوجيا، ويرصد تحولات الإنسان ومشاعره وعلاقته مع الآخرين من خلال تلك العلاقة. وهو يعتقد أن الاتجاه الوجداني سيطر على رقعة كبيرة من ساحة الإبداع الشعري، وخاصة عند الشعراء الرومانسيين أو مدرسة أبولو الشعرية، من أمثال إبراهيم ناجي وعلي محمود طه وأحمد رامي وغيرهم، وأن القلب كان هو المنوط بعمليات الحب والهيام والشوق والغرام، وتم نفي العقل لصالح القلب، مع أنه ثبت علميا أن العقل هو مركز العمليات الوجدانية التي يشعر بها القلب، ويعتقد شبلول أنه يرد تلك العمليات إلى محركها الأساسي وهو العقل، الذي يصفه البعض بالجفاء وعدم التفاعل مع العواطف والأحاسيس الوجدانية، وقد ثبت أن العقل هو مركز هذه الأحاسيس، وأنه يتمتع بالعلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام والسمع والبصر وغير ذلك، وأن العمليات العقلية هي التي تتحكم في مصير الإنسان وليست العمليات الوجدانية أو العاطفية التي سرعان ما تزول وتنتهي مثل أي انفعالات وقتية، ولكن تترك أثرها في العقل وفي اللاوعي أو العقل الباطن الذي له دوره الخطير في مسيرة الإنسانية، فهناك العقل الجمعي، والعقل الباطن النوعي، وصولا إلى الإدراك الشامل والعقلي الكلي للكون والحياة، وهو "الله". ومن مميزات العقل أنه يملك القدرة على التخيل والتمييز والتقدير وهو مسؤول عن معالجة المشاعر والانفعالات، مؤديًا إلى مواقف وأفعال. وعلى الرغم من أن هناك جدالا بين الفلسفة والدين والعلوم الاستعرافية حول ماهية العقل وصفاته المميزة، فإن الشاعر أحمد فضل شبلول استطاع من خلال قصائد ديوانه الجديد "دفتر العقل" – الصادر عن إبداعات التفرغ بالمجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة - أن يتغنى بالعقل ويرصد تحولاته وإشعاعاته ومشاركاته في المسيرة الإنسانية، فقدم ستًّا وعشرين قصيدة، وقعت في 122 صفحة، بدأها بقصيدة تحمل عنوان "الوعي المدفون" التي يقول في مطلعها: سأسلطُ إشعاعًا ضوئيًّا داخل عقلِكِ كي أعرفَ أفكارَكِ .. مذهبَكِ .. هُويَّتَكِ .. ووجهَتَكِ .. وماذا تَختَارينَ .. تُحبينْ .. كيفَ تَنامينْ .. بمَ تَهتمينْ؟ هل أنتِ أسيرةُ جغرافيا أم تاريخٍ .. أم دينْ؟ وينهى شبلول ديوانه "دفتر العقل" بقصيدة تحمل عنوان "الثقب" يقول فيها: أراها صورًا هُولوغْرافيّة تتجوَّلُ في عقلي في أنسجةِ دِمَاغي تُخبرُني كيفَ تكوَّنَ هذا الكونُ وكيفَ توسَّعَ في أزمنةٍ أخرى وأنا أجري لزمانٍ قادمْ يعلمُهُ ربِّي أتقوَّسُ في جرياني وأُعيدُ النظرَ إلى العالم. وبين هذا وذاك نقرأ قصائد تحمل العناوين: أدرينالين، أنت غني كالأشجار، آهٍ من حاسوبي، ثغرات العقل الإنسالي، سكتات دماغ يتهاوى، كعبة الأرقام، إشعاع عاشق، أشلاء الكون، وغيرها. هل يمثل ديوان "دفتر العقل" اتجاهًا شعريًّا جديدًا في شعرنا العربي المعاصر، يتغنى فيه الشاعر بالعقل والمنجزات العقلية وما وصل إليه التقدم العلمي الهائل، وصولا لما يسمى بالذكاء الاصطناعي القادر على دخول عالم الآداب والفنون والفكر، وما تحمل كل تلك القفزات العلمية من فلسفة جديدة ونظرة جديدة للإنسان ودوره في الكون، بعد أن تسيد القلب والوجدان وكان متوجا دائما في مسيرة الشعر المعاصر؟

مشاركة :