المسلم المظلوم والإسلام المنسي.. وغازي القصيبي!

  • 3/20/2024
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فى غمرة هيمنة التسلف والفكر الصحوى فى المملكة العربية السعودية، شعبيًا وإعلاميًا ومؤسساتيًا، كان هناك مثقف ومفكر ومبدع كبير- هو المرحوم الدكتور غازى القصيبى- يعرف دوره ورسالته ولم تعزه أدواته للنقد والنقاش وتفنيد حجج التطرف المنفصل عن زمنية العالم وواقعيته، فوقف- مع ثلة قليلة معه- فى وجه العاصفة، نعم دفاعًا عن العقل وعن المجتمع وعن الدولة وعن الحاضر وعن المستقبل. كتب القصيبى الذى ولد فى (2 مارس عام 1940) ورحل عن دنيانا فى 15 أغسطس سنة 2010، عدة مقالات أثناء حرب الخليج الثانية- تحرير الكويت- بعنوان فى عين العاصفة، ناقش فيها وانتقد الأطروحات المتطرفة، وصدرت فى كتاب فيما بعد بعنوان «فى عين العاصفة» كتبها فى أوج الأزمة ودوى الحرب يصم الآذان، بداية من تاريخ 20 أغسطس 1990 وانتهت بمقالته الأخيرة (حتى نلتقى) التى ختم فيها سلسلة مقالاته والمؤرخة بتاريخ 14 يوليو 1991، بصحيفة الشرق الأوسط حينها. وقف القصيبى فى عين العاصفة بكل قوة واستعداد، يكافح التشدد والتطرف ويكافح ظلم الإنسان وظلم المسلم تحديدًا، بفهم مغلوط ومتشدد وجاف للإسلام، وفهم عنيف لمفهوم السلطة والدولة والعلاقة بالمجتمع والعالم والمحيط، ولكن فى مواجهته اتسم دائمًا بهدوئه- الذى يبهرنى- فالهدوء هو الثقة.. هدوء الشاعر والمفكر والعالم والإدارى الواعى بعصره ولحظته، يواجه التطرف باعتدال وعقلانية وأصالة تتسرب لقارئها، ولا تستثير تطرفًا مضادًّا شأن البعض، فلم يؤثر الصمت فى أوقات الفتن والأزمات، كما يفعل الكثيرون فى زمننا الغريب، لم ينزو بعيدًا ككثيرين يحضرون فقط عند المغانم ويهربون عند المغارم، يبحثون عن حظوة عند الحاكم أو عند الجماهير، كان قويًا مستقلًا لم يتخل عن هدوئه كما لم يتخل عن عمقه وقوة حجته ودليله واستعداده المحترم والمنصف للنقاش بالحجة ومواجهة الفكر بالفكر. نعم أنا أرى مسلمًا مظلومًا بفهم البعض للإسلام، بنفاقهم وشكلانيتهم وغياب الأخلاق العميقة والصادقة عنهم، أطالع المصارعة التواصلية فأجد كل دعىّ يلبس قناع الدين، ويضع المنشورات تصوره لك كأنه ملاك وهو فى عمقه شيطان لا ملائكية فيه، انتشار جرائم النصب والرشى والاختلاس وانتشار السمية فى العمل، وانتشار الكراهية والغل وعدم سواء العلاقات. أرى إسلامًا مظلومًا، ومسلمين مظلومين، ومسلمات مظلومات، تم ظلمه حين اختصر البعض منا الإسلام فى الكراهية والعنف والتعصب والادعاء والتمييز والرفض الإنسانى، حين اختصروا المرأة فى الجسد والهامش والكبت، حين اختصروا القداسة فى أنفسهم واحتكروا الحقيقة فى قناعاتهم، والفضل والعلم فى تصوراتهم المنغلقة، رغم أننا نعيش فى عالم صعب يحتاج الشراكة الإيجابية بين الجميع، فى العالم وفى المجتمع، بين الرجل والمرأة، بين المسلم وغير المسلم، بين المواطن والمواطن، بين العقل والعقل والعلم والعلم والدين والدين. المرأة نصف المجتمع ونصفه الحقيقة، لا بد من تقدير الاختلافات بدون تصلب، أرى تحميل البعض على أبنائه ما لا يطيقون وأرى المعلم الذى لا يهتم إلا بما يحصل عليه من الطالب لا ما يعطيه له. كنت أتصفح قبل أيام كتاب الدكتور غازى القصيبى «ثورة فى السنة النبوية» صدر عام 2003 عن دار الساقى، تناول فيه بعض الأحاديث الصحاح الواردة فى كتب السنة، ثم يورد تعليقه عليها ويكشف دلالتها بعد أن يخرجها ويثبت صحة سندها، والتى يهملها المسلمون، منها حديث ابن اللتبية الذى ولّاه النبى، صلى الله عليه وسلم، أمرًا للمسلمين ثم جاء بالمال، يقول «هذا لكم وهذا لى» وعنونه القصيبى «النزاهة فى المسؤولية والحياة السياسية»، وتناول حديث أم سليم بنت ملحان التى بشرها النبى بأن تموت وهى تركب غازية فى البحر وهو ما حدث، حين ركبت البحر فى جيش معاوية، متسائلًا عن عمل المرأة والذى يبشر به النبى أنه عمل عسكرى ويحرمه البعض فى كل شىء، وحديث آخر عن سوء الظن وأهمية التثبت والتحقق قبل إصدار الأحكام والحساب وغير هذا كثير من نصوص الإسلام الصحيح والإيجابى التى نسيها المسلمون وظلموا أنفسهم بالتضييق والادعاء والسطحية والشكلانية. نعم إسلام منسىّ وإسلام مظلوم ومسلمون مظلومون.. ونحتاج للعقل والإنسانية حتى يُرفع هذا الظلم عن الإسلام وعن المسلمين، نحتاج لإدارة الوزير والشاعر والمفكر الهادئ ونحن ندير كل شأن بلا صراخ وبلا ضجيج.. ورمضان كريم.

مشاركة :