التاريخ الذي كان يجول في أفكار الإنسان الأول وممارساته، هو اليوم يعيد نفسه في مجتمعاتنا البدائية "على الأغلب" وإن أوحت ضخامة الأسمنت عن نفحة لفقاعة مكذوبة فكرية، فهذا جيش مغيب من المومياءات ما زال يحمل في مبادئه الصماء أعطابا سوسيولوجية متسربلة بشعارات حماسية فارغة من أي هدف أو معنى يمكن أن توحي بأي ارتقاء لأي سُلم حضاري، يحمل التعصبات القبلية والدينية والمذهبية أينما ارتحل ويدع لمهمة مدافعيه ترديد أسطوانات الهرطقة الفارغة بطريقة رجعية مصطنعة مكررة، حتى أمسينا أنموذجا لبيئة في أكثرها الأقلام مستأجرة والعقول لا تحوي سوى نماذج عصابية ناقمة وفاقدة لقوة الطرح والمهنية والنهج العلمي. فنحن في دولنا الإسلامية والعربية على حدٍّ سواء وحتى في مؤسساتنا التي نعتقد أنها علمية والتي يجب أن تكون لبنة أولى للفكر السليم لأي مجتمع ما، نشرب فيها طلابنا على الانصياع لكل منهاجهم الدراسي، ولا يحق لهم أن يشككوا أو ينتقدوا أو حتى يسخروا فيه، فأصبحنا أمام أجيال عديدة متشربة بأفكار التوحش، فمدارسنا الشرقية عبارة عن تجمعات مصغرة تخرج شعوبا ملقنة إستاتيكية مقتنعة تماما بنظام حياتها البدائي المتوارث والذي لم يرتق فيه الإنسان ليتعلم منذ النشء على السؤال والاعتراض والنقد ثم الحوار والتشكيك بالإجابة والبحث بفردانية دون خوف من العقاب، ولهذا فهي تسعى كذلك إلى أن تقف ضد أي محاولة تحديث للنظام الاجتماعي أو الفكري الذي تعيش، ومن مخرجات هذه النماذج والأنظمة أولئك الذين يطالبوننا بالكف عن تقديم نشراتنا النقدية دون أدنى تقدير ومحاولة إدراك أننا أشخاص باحثون لا منتمون، نرفض أن نكون جزءا من أي لعبة كانت، فضلا عن تبويقاتها الإعلامية، ولهؤلاء أن يدركوا أن محاولات تغييب التفكر والرمي بالجهل لكل باحث أو مفكر أو حتى لكل إنسان تملل من كل هذا، وفرض هذا المفهوم الضيق للدين بالقوة على العقول لن تؤدي لأي نتيجة إيجابية، فهي فاشلة بالمطلق، ولن يخرج من محصلته إلا نموذج يؤسس للعقل البيئي القطيعي العصبوي ويتمركز في زمان معين ساكن ليس بالإمكان إخراجه وربطه بالحداثة والعصر أو حتى بالحرية، بغض النظر عن معدن وجودية الحق. ولعل أكثر ما يُبرز هذا بشكل مادي الحالة الأمنية منذ البزوغ الأول لنتائج التغييب في 12 مايو من عام 2003 حينما انفجرت قنبلة إرهابية يدوية الصنع في شرق العاصمة الرياض، تكرر بعدها الاستهداف حتى بلغ حسب التقارير إلى أكثر من 124 عملية ذهب ضحيتها أكثر من 670 شخصا من المواطنين والمقيمين ما بين قتيل وجريح و72 شهيدا من رجال الأمن، و177 من العناصر التكفيرية الإرهابية، وهذا وحده داخل المملكة فقط دون سرد أضرار هذا التغييب في الدول العربية والإسلامية والذي ألقى بضرره على باقي دول العالم التي بلا شك عانت منه معظمها وما زالت. عموما نقول هذا حتى تظل ونبقى كلمة الملك -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود "إن الأمن في المملكة العربية السعودية بألف خير، فهو صامد كالصخر تكسرت عليه كل تلك الهجمات". وإن شاء الإله ستظل تتكسر.
مشاركة :