لا يعقل أن تُختزل حياتنا في ممارسات فطرية تتساوى أمامها كل الكائنات الحية كالتعلم وطلب الرزق والزواج وتربية الأبناء وتوفير المسكن ونحن نزعم أننا سائرون في طريقنا لبناء المستقبل ومنافسة كل الحضارات وفق الرؤية الطموحة 2030 التي يستحيل إن ترى النور طالما لم نلتفت لتنمية الفرد الذي يعد أساسها ..لا يعقل أن يُفني أكثرنا زهرة شبابه وحتى شيخوخته في القيام بهذه المتطلبات الحياتية الأساسية وتصبح هي منجزاته متناسياً أن ما قام به أمر فطري تفعله الطيور في اعشاشها وحتى النمل في بيوتها ولا تتغنى بصنيعها ..ايقاف الحياة على مثل هذه الأشياء مع أهميتها هو قتل لأنفسنا ولإبداعاتنا وهدم لذواتنا فالتاريخ لا يحفل بكل ذلك ولا يدونه فلم يُروّ لنا على الإطلاق أن أحدهم كان من صناع الحياة من خلالها .. وإن ذُكرت عرضاً في وصف حياة العظماء فهي من باب التعريف بالظروف التي أسهمت في بروزهم ..لذلك علينا مراجعة حساباتنا لنتأكد إن كان لنا من انجاز نتفوق به أو أننا مثل باقي الدواب نصبح ونمسي في خدمة أجسادنا أو أجساد من نعول حتى نوصلها للحظة النهاية فتُدس في التراب وتضيع معها آمالنا ..علينا كذلك ادراك أن الإنجاز الحقيقي للفرد بأي مجتمع مرتبط بانطلاقته من ذاته بتنميتها وصقل خبراتها وإبراز ابداعاتها وإزالة الران الذي قد يعلق بها .. وحتى يتحقق ذلك ينبغي العدل في تعاطينا مع أنفسنا فنمنحها قدراً متساوياً من الرعاية والاهتمام الذي نوليه لكل المحيطين بنا وأن لا نُخدع بتمجيد من يمتدحون تفانينا في خدمتهم وتكريس كل جهودنا لهم فنجحف في حق ابداعاتنا الحقيقية إرضاءً لذواتهم حتى نكتشف في النهاية أننا لم نصنع ما يخلد ذكرنا سوى تسجيل أسمائنا في مشجرة بالية تحفظ أنسابنا وتخلدها كحروف مجردة دون أدنى انجاز يبرر تدوينها ..للأسف الشديد هذا هو واقع جلنا .. نمر على الحياة مرور الكرام ونخرج منها كما دخلناها أول مرة دون الإسهام ولو بالقليل في تطويرها مقارنة بباقي الأمم التي تسجل منجزات ابنائها بالثواني .. ففي كل ثانية يسطر التاريخ براءة اختراع أو ابداع فكري أو أدبي ينسب لأحدهم .. بينما نحن إما مشغولون بجلد ذواتنا دون أي مبادرة للتغيير أو أننا غارقون في ملذاتنا متنعمين بإبداعات غيرنا وربما أستسهل بعض الرعاع منا الانقضاض على منجزاتهم ونسبتها لأنفسهم وكأنهم بصنيعهم جعلونا كالأنعام .. بل أظل سبيلاً ..البلادالرأيحامد الشريفمقالات الصحف
مشاركة :