"معجم مدينة الرياض" يرصد تاريخ الأحياء من خلال أسمائها

  • 3/26/2024
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تتبّع المدن والأماكن من خلال أسمائها وأسباب تلك التسميات يحيلنا إلى تواريخ متداخلة، يتشابك فيها الاجتماعي والسياسي وحتى الطبيعي، حيث تؤكد تلك الأسماء وتغيراتها وتطورها حال الإنسان الذي عمّرها. وفي هذا الصدد تتبّع الباحث السعودي الراحل خالد بن أحمد السليمان أسماء مناطق من مدينة الرياض، كاشفا من خلال الأشعار والبحوث والروايات الشفهية عن وجوه أخرى للمدينة. الرياض- أبرز الباحث الراحل خالد بن أحمد السليمان أحياء ومواضع مدينة الرياض في كتاب بعنوان “معجم مدينة الرياض” الذي يعود إلى نشأة الأحياء السعودية القديمة وتسميات الأماكن. يرصد الكتاب، الذي صدرت طبعته الثالثة عن دارة الملك عبدالعزيز، المعالم الجغرافية في مدينة الرياض، التي تضم عددا كبيرا من الأحياء والمواضع المهمة، والتي تعاقبت عليها الكثير من العصور التاريخية؛ حيث كانت مهدا للحضارات التي انطلقت من وسط الجزيرة العربية وواصلت حضورها التاريخي عندما أصبحت عاصمة للدولة السعودية الثانية في عام 1240هـ/1824 ميلادي، واستمرت إلى اليوم عاصمة للمملكة العربية السعودية بعد استرداد الملك عبدالعزيز لها في عام 1319هـ ومن ثم جعلها منطلقا لتأسيس الدولة السعودية الحديثة. تاريخ الرياض يبيّن الباحث أن الاسم القديم لمدينة الرياض هو “حجر” وهي عاصمة إقليم اليمامة كله، وفي عهد دهام بن دواس كانت الرياض منفصلة عن بقية الإمارات في نجد، وفي عهد الإمام تركي بن عبدالله كانت الرياض هي عاصمة الدولة، وفي عهد الملك عبدالعزيز كبرت وكثرت أحياؤها مما كان له الأثر في اتساعها وزيادة سكانها. وأوضح السليمان أنه اعتمد في جمع مادة كتابه على المصادر التاريخية القديمة وعلى الوثائق ومرويّات المعمرين من سكان الرياض القدامى، ورتب موضوعاته وفقا لحروف المعجم العربي، مبينا قدر الإمكان اسم الموضع أو الحي في القديم والحديث وسكانه وسبب مسماه والوقائع التاريخية التي حدثت حوله وما قيل فيه من الشعر. بوكس وقد قامت مدينة الرياض على أنقاض مدينة حجر اليمامة، وعرفت مدينة حجر بأنها قاعدة إقليم اليمامة. يقول ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان: «حجر: بالفتح، يقال: حجرت عليه حجرا إذا منعته فهو محجور، والحجر، بالكسر، بمعنى واحد». ويذكر ياقوت الحموي عن سبب تسمية «حجر» بأن عبيد بن ثعلبة الحنفي لما أتى اليمامة ووجد قصورها وحدائقها خالية من سكانها من قبيلة طسم بعد فنائها، احتجر منها ثلاثين قصرا، وثلاثين حديقة، فسميت «حجيرته» «حجرا». ومن أبرز الحوادث التي حصلت لحجر في الجاهلية تحريقها من قبل بني قيس بن ثعلبة انتقاما من أرقم بن عبيد بن ثعلبة الحنفي الذي كان قد حرق ديارهم منفوحة، فحرق بنو قيس قريتين من قرى حجر الشط والبادية التي سميت لاحقا محرقة، التي وصفها الأعشى فقال: “وأيام حجر إذ نحرق نخله/ ثأرناكم يوما بتحريق أرقم/ كأن نخيل الشط غب حريقه/ مآتم سود سلبت عند مأتم”. ثم أطلق اسم الرياض عليها بسبب كثرة الأراضي المنخفضة والمتساوية التي كانت تسمى رياضا في موضع البل فسمي بها، أو بسبب وجود عدد من الروضات فيما حول الموضع، مثل: روضة القميعة وروضة السلي فجمع ذلك بعضه إلى بعض في «الرياض». وتقع مدينة الرياض القديمة بين وادي الوتر البطحاء الذي يفيض في منطقة منخفضة مستوية يتخللها بعض الحزون والمرتفعات تقسمها إلى رياض، ومستقرات للمياه تنبت في أرضها أنواع من النباتات. والرياض جمع روضة، وهي كما في لسان العرب: الأرض ذات الخضرة، والبستان الحسن، والموضع يجتمع إليه الماء، يكثر نبته. أسماء الأحياء من المواضع التي رصدها الباحث “جبل أبومخروق” الذي يقع في حي الملز، ويعد من أشهر معالمه وحوله المتنزه الشهير لسكان مدينة الرياض، ويقول عنه: إن اسمه “الخربة” نقلا من معجم البلدان لياقوت الحموي. وقال عن أم قبيس “إنها موضع قديم يقع غرب البطحاء، اشتهر بالعديد من المعالم المهمة مثل: قصور الأمراء ودار الكتب الوطنية وهي في الأصل مزرعة للإمام عبدالله بن فيصل”. أما “الحبونية” فذكر أن ابن بشر أشار إليها في حوادث 1162 م، ولعلها التي قال عنها ياقوت الحموي: إنها مقر سكن والي حجر علي بن المهاجر. ويعود “حي خنشليلة” حسب ما ورد في الكتاب إلى أكثر من خمسة قرون، وذلك نسبة إلى امرأة كريمة تسمّى جليلة وهي ابنة الوجيه عبدالمحسن بن سعيد الدرعي الحنفي، وكانت جليلة قد أعدت وقفا أو نزلا للحجاج القادمين من المشرق، وابتغت بذلك وجه الله سبحانه، فأسموه الحجاج “خان جليلة”، ليتحول الاسم فيما بعد إن – صحت الروايات – إلى “خان شليلة”. وذكر أن هنالك سوقا قديمة وسط مدينة الرياض أطلق عليها سوق “الخان”، إلا أن مبانيها اختفت واندثرت معالمها. وأورد أن “غبيراء” حيّ مشهور يقع في شرق منفوحة مما يلي العود، ولعله المعني في قول الشاعر محمد بن علي الطبري: ويحسب الناس من أهل البديع/ومن أهل السليمية الغبرا ومعكانا. ◙ الكتاب يرصد 343 موضعا مؤكدا أن كل حي من أحياء الرياض قد تميز بسمة حضارية مغايرة للحي الآخر وبما أن “معكان” أو “معكال” ورد في البيت الشعري السابق، فتجدر الإشارة إلى أنه معمور منذ أكثر من سبعة قرون، وكان يشكل مع “مقرن” ما يعرف بالرياض في القرن الثاني عشر الهجري، واسم “معكال” قديم يعود إلى عصور الجاهلية؛ لكنه برز بعد أن اختفى اسم حجر. ويقول “إن حي الفوارة وهو جزء من حي الفاخرية الحالي وسط الرياض، يعود اسمه إلى زمن النبي محمد، وذلك حينما وهبه إلى الصحابي مجاعة بن مرارة الحنفي، إلا أن اسمه حين ذاك كان “الفورة”، كما عند ياقوت في معجمه، وقال الحفصي “الفورة بالضم روض ونخل”. والمعيقلية الواقعة في قلب العاصمة، حي مشهور بدأت عمارته في زمن الإمام فيصل بن تركي، ولازال يحتفظ باسمه إلى هذا اليوم، ومثله حي الظهيرة. وعن “حي العجلية”، يقول الباحث نقلا عن الشيخ إبراهيم بن محمد بن عثمان: إنها تنسب في الأصل إلى بني عجل بن لجيم الذين جاوروا بني حنيفة في سكنى حجر، وهو الآن حي عامر، شمال الرياض القديمة، يحده شرقا طريق الملك فهد، وغربا حي الشعبة، وشمالا مرتفعات الوشام، وجنوبا القرينين. الجدير بالذكر أن الباحث توصل في آخر كتابه بعد أن رصد 343 موضعا إلى أن كل حي من أحياء الرياض قد تميز بسمة حضارية مغايرة للحي الآخر مثل “دخنة” التي كانت مركزا للعلم والعلماء، و”المريقب” وكانت مقرا للمحاربين، و”صياح” وشهرته بالزراعة، و “الظهيرة” التي عرفت بأنها مقر للخويا، و”المعيقلية” وكانت مقرا للمهن والحرف، كما أحصى 35 بئرا قديمة اندثر أكثرها ومنها: أحمدة، فيصلة، شدية، سويلمة، البابية، فضة، شايقة، العودة، ركية، الوسيطي، الصويلاني، قلبان القري وغيرها.

مشاركة :