نعيش في عالم يموج بالأزمات، مع تزايد تواتر الصدمات المتتالية والمدمرة الناجمة عن تغير المناخ والكوارث الطبيعية، والأزمات الاقتصادية، وحالات الطوارئ الصحية، والصراعات، والنزوح القسري. لا تصيب هذه الصدمات أشد الناس فقرا وتجعل طموحنا في القضاء على الفقر المدقع أكثر تحديا. وفي 2022، واجه 258 مليون نسمة في 58 بلدا نقصا حادا في الأمن الغذائي، وواجه نحو 30 % من سكان العالم نقصا متوسطا أو شديدا في الأمن الغذائي . وبما أن مواطن الضعف إزاء الأزمات أصبحت تحديا هيكليا في أجزاء كثيرة من العالم، على البلدان بناء أنظمة مستدامة يمكنها مساعدة الحكومات على توقع الأزمات والتخفيف من آثارها والتصدي لها على نحو أفضل، مع القيام في الوقت نفسه بمعالجة مواطن الضعف الأساسية. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، ظهرت الحماية الاجتماعية التكيفية بوصفها نهجا مبتكرا وشاملا لمساعدة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجا والأولى بالرعاية في بناء الصلابة والقدرة على الصمود في وجه الصدمات وحماية أصولهم وممتلكاتهم ورأس مالهم البشري المتمثل في صحتهم وتعليمهم ورفاهتهم. وتشير الحماية الاجتماعية التكيفية إلى السياسات والبرامج والاستراتيجيات المصممة لمساندة السكان الأكثر ضعفا واحتياجا والأولى بالرعاية مع الظروف المتغيرة. ويمكن توسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية التكيفية أو تقييد هذا النطاق حسب الحاجة، ومساعدة الناس على تحقيق استقرار مستويات الدخل والاستهلاك عند وقوع الصدمات، وتجنب آليات التكيف السلبية، مثل تقليل كميات الطعام أو بيع الأصول والممتلكات. وهذه البرامج فعالة خاصة عندما تصل إلى الأسر الأكثر عرضة لمخاطر الجوع أو سوء التغذية. ويمكن لبرامج الحماية الاجتماعية التكيفية أيضا التصدي للجوع وسوء التغذية المزمن على نطاق واسع من خلال توفير سبل الحصول على الغذاء المناسب والخدمات الصحية والتغذوية. ففي بيرو، على سبيل المثال، ساند البنك الدولي الحكومة في استخدام التحويلات النقدية المشروطة إلى جانب التثقيف الغذائي ومتابعة نمو الأطفال، ما ساعد على خفض معدلات التقزم على المستوى الوطني إلى النصف. ومن خصائص الحماية الاجتماعية التكيفية التي يستهان بها إمكانية تعزيز النظم الغذائية المحلية. ويمكن أن تساعد هذه البرامج الحماية الناس على الاستثمار في الأصول الإنتاجية في سلسلة القيمة الغذائية -على سبيل المثال، الثروة الحيوانية أو البذور أو المعدات الزراعية- وتنويع مصادر دخلهم، وبالتالي الحد من تعرضهم للصدمات، بما في ذلك تلك الناجمة عن تغير المناخ. ويمكن لمثل هذه البرامج أن تشجع إنتاج الأغذية الصحية واستهلاكها من خلال تنمية وتمكين صغار المزارعين وصائدي الأسماك ومصنعي المنتجات الغذائية وتجار التجزئة، خاصة النساء. فإننا بعيدون تماما عن تحقيق هدف التنمية المستدامة المتمثل في توفير الحماية الاجتماعية للجميع. ولا يزال أكثر من نصف سكان العالم - نحو 4.1 مليار نسمة - دون حماية، وليس لدى عديد من البلدان الأنظمة اللازمة لمواجهة الصدمات في الوقت المناسب. وأصبح الاستثمار في أنظمة التنمية البشرية القادرة على الصمود حتما وأمرا لا بد منه. ويستهدف البنك الدولي الوصول إلى نصف مليار من الفقراء والفئات الأكثر احتياجا والأولى بالرعاية بتقديم مساندة مستهدفة في إطار برامج الحماية الاجتماعية التكيفية، المصممة خصيصا لتلبية احتياجات هؤلاء، فضلا عن تحديد جدول زمني مناسب لها لمواجهة الصدمات بحلول 2030. وكما نعلم، ستحقق الحماية الاجتماعية التكيفية الأثر المرجو منها، لذا، علينا العمل على وجه السرعة، في إطار من التعاون وتضافر الجهود مع شركائنا في مجال التنمية والعمل الإنساني، لتعبئة الموارد والخبرات والابتكارات اللازمة لتطوير أنظمة شاملة وقادرة على الصمود تساعد على الاستجابة لأزمات الغد. وفي وقت لاحق من هذا العام، كان تجديد موارد المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي، التي تساند أشد بلدان العالم فقرا، فرصة مثالية لتنفيذ هذا الالتزام.
مشاركة :