قبل الحكم على نجاح الفصول الثلاثة أو فشلها يجب علينا أن نتجرد من العاطفة، وننظر إلى الأمر بواقعية أكبر، كما يجب على الوزارة أن لا تهمل التقارير الميدانية الصادقة والصادمة، وعليها أن تهمل التقارير المكتبية الباحثة عن رضا المسؤول، والتي تُجانب الصواب دائمًا. ففي ظلّ التوقعات الكبيرة التي تقول: إنّ الوزارة ربما تنوي العودة إلى نظام الفصلين بعد المراجعات الصادقة التي وصلتها من الميدان، ونسب الغياب الكبيرة التي تنذر بالفوضى، والدرجات المتدنية التي تؤدي إلى تذيل قوائم التقارير العالمية، وحيث إنّ الوزارة قد ذكرت فيما سبق أنّ نظام الفصول الثلاثة يخضع للمتابعة والمراجعة مما يوحي أنّه لا توجد دراسة تقوّي نجاح الفصول الثلاثة؛ فإنّ الفرصة مواتية للوزارة أن تُعيد قراءة المشهد بشكل أكثر دقة ومصداقية وتعطي الملاحظات الصادقة أهمية كبرى كما يجب عليها أن تبدأ بالبحث عن الأسباب وتشرك شركاءها (الطلاب والطالبات – المعلمون والمعلمات المتميزون- أولياء الأمور الحريصون – الهيئة الإدارية – المشرفون والمشرفات الصادقون) في صنع القرار، فنظام الفصول الثلاثة أو نظام الفصلين ليسا هم السبب الوحيد للنجاح أو الفشل؛ فهناك أسباب كثيرة تُساهم في نجاح العملية التعليمية، ولا بد من مراجعة أركان العملية التعليمية وتقييمها كلّها حتى تنتهي سلسلة التجارب التي تجريها الوزارة على التعليم؛ فالتجربة وراء التجربة قد تؤدي إلى انهيار العملية التعليمية وانعدام الاستقرار والتضحية بأجيال. ولو أّننا قمنا بمراجعة أركان العملية التعليمية من منظور ميداني؛ فلن نهمل البيئة المدرسية لأنّها بمثابة البيت، ونحن بحاجة ماسّة إلى بيئة جاذبة لا بيئة طاردة. بيئة فيها الفصول كبيرة ومهيأة تستوعب الطلاب والطالبات دون أن تتسبب في ازدحامهم وكأنهم في علبة سردين، بيئة الفصول فيها مجهزة بأجهزة عرض متطورة وسبورات ذكية، ومعامل تحوي كل ما يحتاجونه من أدوات وأغراض وتُساعدهم على التجربة وإثبات القوانين. يحتاج الطالب والطالبة إلى كراسي وطاولات تُساعدهم على الجلوس الطويل والاستيعاب بدلًا من كراسي الخشب والحديد التي تتسبب لهم التململ. يحتاج الطالب والطالبة إلى مكان يزاولون فيه هواياتهم المحببة، وغرف نشاط مجهّزة بكل ما يُساعدهم على تطوير مهاراتهم، وصالات رياضية تُساعدهم على ممارسة الرياضة المناسبة دون إكراه للعبة دون لعبة. يحتاجون إلى مقصِف مدرسي (بكسر الصاد) بدلًا من المقاصف التي قصفت بطونهم بوجبات بائتة أو غير مرغوبة، وقصفت جيوبهم بأسعار أرهقت كواهل أولياء أمورهم. أما المعلمون والمعلمات؛ فهم بحاجّة ماسّة إلى الاستقرار النفسي والمالي والاجتماعي، فماليًا هم من يصرفون على التعليم من رواتبهم، وهم من يتعرضون للمضايقات المتتالية بالنقل الداخلي والخارجي وعدم تحقيق الرغبات مما تسبب لهم في مشاكل اجتماعية، وكثرة التكاليف الصفية وغير الصفية والبرامج التي تتسابق للتوثيق بالصوت والصورة دون فائدة والاختبارات المتتالية التي تنتهي قبل أن تبدأ والتعاملات المخالفة للوائح الوزارة (درجة الرخصة الأقل كمثال)، والتهديد والوعيد بقطع العلاوة والخصم من الراتب والمساواة بين المحسن والمسيء، وجعلهم في وجه المدفع أمام اللجان والشكاوى، ولنا في حلم الطالبة بضرب المعلمة مثال مضحك مبكي حطمهم نفسيًا. أما أيام الدراسة فهي لا شكّ تؤثر في سير العملية التعليمية؛ فطول الأيام الدراسية وتكرر الإجازات المطوّلة وقصر الإجازة النصفية والختامية وشهر رمضان بحاجة إلى مزيد من الدراسة والمراجعة؛ فلو استغنى عن الإجازات المطولة وفعّلت المنصة في شهر رمضان، ومددت الإجازات النصفية والنهائية، واستغنينا عن إطالة السنة الدراسية لتصبح سنة كبيسة، ربما ستقل نسب الغياب وستكون هناك جديّة في طلب العلم، كما أنّ وضع حوافز (مالية – ونفسية – ودراسية) للطلاب والطالبات المنضبطين تتبناها الوزارة ولا تتركها على إدارات المدارس التي تئن من كثرة البرامج والمتطلبات المالية؛ مما يجعلها تفرّط في تكريم الطالب والطالبة المتميزين (حضورًا ونتيجة وخلقًا)، لا ننكر أنّ الوزارة تحاول أن تُعيد للمعلم والمعلمة مكانتهم الرفيعة، وترفع من شأن التعليم وتصل بنا إلى مصاف العالمية تحقيقًا لرؤية المملكة 2030، لكن العملية التعليمية تتجاذبها أطراف عدة، وهناك شركاء يجب أن يكون لهم رأي، ولعلّ المجتمع والإعلام يساهمون مع الوزارة في الدعم والمؤازرة ووأد كل المحاولات البائسة من بعض المتسلقين والمتنفعين بكتاباتهم وأحاديثهم وهمزهم ولمزهم؛ للنيل من المعلمين والمعلمات ومهنة التعليم. مسك الختام النظر إلى المشكلة من زاوية واحدة يعمّق المشكلة ولا يساهم في حلّها، والانفراد بالرأي دون مشاركة الشركاء يؤدي إلى الانفصال النفسي بينهم ويفشل الشراكة …
مشاركة :