3 سنوات قضتها في رحلة العلاج من أمراض القلب، التي تعرضت لها، انتهت فصولها بوفاتها متأثرة بمضاعفات آخر العمليات الجراحية التي خضعت لها، وكان على أسرتها أن تكمل حياتها متقبلة واقعها الجديد من خلال التأقلم مع وفاة والدتهم، ولكن كان لعودة ابن المتوفية الأصغر الذي يدرس في الخارج الى الدولة، لحضور مراسم تشييع جثمان والدته، وهو يحمل في مخيلته حلم الثراء وجني المال عبر تلفيق سبب الوفاة للمستشفى والطبيبة المختصة، واقع اخر وحل سريع لمشاكل الاسرة المالية الكثيرة. فأسرة الأم المتوفاة عاشت تحلم أن تنتهي أزماتها المالية المتتالية بين ليلة وضحاها، ولم يترددوا لحظه في قبول العرض الذي قدمه لهم الابن الأصغر، وبدأ الأبناء يفكرون في طريقة لاستغلال فترة خضوع والدتهم للعلاج ووفاتها في الحصول على مبالغ مالية يتحولون بها الى أثرياء من دون تعب أو مشقة. وبعد مشاورات توجه الأبناء الى محكمة أبوظبي المدنية مختصمين المستشفى والطبيبة المختصة التي أجرت العملية، موضحين أن فصول الدعوى بدأت عند إصابة الأم بوعكه صحية، نقلت على إثرها إلى قسم الطوارئ بأحد المستشفيات الحكومية، ووفقا للتقارير الطبية تم إدخال الأم إلى غرفة العمليات وإجراء عملية زراعة شرايين. وأمام المحكمة قال أحد الابناء شارحاً دعواه أنه قبل 3 سنوات، خضعت والدته لأول عملية جراحية في منطقة القلب، وتم تغيير ثلاثة شرايين، وبسبب تسرع إدارة المستشفى، أخرجت المريضة من المستشفى فعاودتها الآلام بعد 8 أشهر، وأدخلت مرة أخرى للمستشفى حيث قرر الأطباء بعد وجودها تحت الملاحظة لفترة زمنية، تركيب بطارية لتنظيم دقات القلب، ونتيجة الخطأ الذي ارتكبته الطبيبة المختصة بإجراء العملية، أصيبت المريضة (الأم) بنزيف حاد في الصدر، أسفر عن وفاتها بعد إجراء العملية بعامين. وطالب الابن هيئة المحكمة القضاء ببراءة ذمة والدته المتوفاة من أية نفقات أو مطالبات أو أضرار تخص المستشفى طوال تواجدها به منذ دخولها وحتى تمام إخراجها منه، والحكم بإلزام المستشفى والطبيبة التي أجرت لها العملية الثانية مبلغاً وقدره 9 ملايين درهم كتعويض عن كافة الأضرار والخسائر والتكاليف التي لحقت بوالدته جراء الخطأ الطبي الذي ارتكبه المستشفى والطبيبة مع الفائدة القانونية من تاريخ إقامة الدعوى وحتى السداد التام. وأجاب وكيل المستشفى بمذكرة طلب فيها رفض الدعوى لعدم الصحة والثبوت، وإحالة ملف المريضة للجنة العليا للمسؤولية الطبية للكشف عليه، وبيان حالتها الصحية، وبعده قضت المحكمة بندب اللجنة المذكورة لإيقاع الفحص الطبي على المريضة. وبعد شهرين أودعت اللجنة الطبية المختصة تقريرها الذي انتهت فيه إلى أنه لا يوجد خطأ طبي أو إهمال من قبل الأطباء المشرفين على علاج المتوفاة أثناء تواجدها في المستشفى، وبناء عليه، حكمت المحكمة برفض الدعوى وألزمت الابناء بالمصروفات. لم يرض الأبناء بهذا الحكم فطعنوا عليه بالاستئناف، فقضت محكمة استئناف أبوظبي بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف، وإلزام المستأنفين بالرسوم والمصاريف. فقدم الأبناء طعنا على الحكم بالنقض بواسطة محام بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى، عاب فيها على الحكم المطعون فيه، بالقصور في التسبيب والاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ملتمساً في ختامها نقض الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة مصدرته لنظرها من جديد بهيئة مغايرة. وأجابت المستشفى بواسطة إدارة قضايا الحكومة بدائرة القضاء ابوظبي، بمذكرة، دفعت فيها أصلياً بعدم قبول الطعن في حقها، فيما قدم محامي الطبيبة التي اجرت العملية، مذكرة طلب في ختامها رفض الطعن. ونعى الأبناء على الحكم المطعون فيه، مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ذلك أن المحكمة اعتمدت تقرير لجنة الخبرة رغم أنه جاء ناقصاً، إذً لم تنفذ اللجنة المأمورية كامل مهمها كما حددتها لها محكمة أول درجة، ومنها عدم تقريرها ماهي الأصول المتعارف عليها (طبياً) عند إجراء عملية زرع بطارية تنظيم نبضات القلب، وهل هذه الأصول الطبية كانت متوفرة عند إجراء العملية من عدمه؟ وهل الطبية المختصة اتبعتها عند اجرائها العملية؟ وهل العملية كانت مبررة من الناحية الفنية؟ ثم إن النزيف الدموي حدث أثناء العملية وبسببها. كما قدم الأبناء أربعة تقارير طبية تثبت عكس ما ورد في تقرير اللجنة، مشيرين إلى أنهم قد دفعوا بعدة طعون جوهرية أمام محكمة الموضوع بدرجتيها على تقرير لجنة الخبرة، إلا أن المحكمة لم ترد عليها، كما أنها لم تستجب لعدة طلبات، منها ندب لجنة طبية أخرى أو إعادة المأمورية إلى اللجنة لبحث الاعتراضات التي أبداها على التقرير. وقالت محكمة النقض : إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها من سلطة محكمة الموضوع طالما لم تعتمد على واقعة بغير سند وبينت الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها وأقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله. وأضافت : إن تقرير اللجنة الطبية الذي جاء في خلاصته ما يفيد أن المتوفية أجريت لها عملية قلب مفتوح واجتازت العملية بشكل جيد وغادرت المستشفى في حالة جيدة وأن إجراء عملية القلب المفتوح للمتوفاة وكذلك عند زرع بطارية تنظيم نبضات القلب من قبل الطبيبة المختصة، تمت حسب الأصول الطبية المتعارف عليها، وكانت مبررة من الناحية الطبية، وحدوث النزف المفاجئ في الرئة اليسرى أثناء عملية زرع بطارية نبضات القلب يعتبر من المضاعفات المتعارف عليها طبياً رغم كونها نادرة الحدوث، ولا يوجد خطأ طبي أو إهمال من قبل الأطباء المشرفين على علاج المتوفاة أثناء تواجدها في المستشفى. وتابعت : أن الاعتراضات المقدمة من ابناء المتوفية على تقرير اللجنة لا ينال منه شيئاً، وإن ما ذهبت إليه محكمة أول درجة ومحكمة الاستئناف من استنادها في حكمها إلى هذا التقرير يكون موافقاً لصحيح القانون والذي تؤيده المحكمة.
مشاركة :