هناك إجماع على أن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية يتداعى، وسوف يحل محله نظام عالمي جديد، تشارك فيه قوى صاعدة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية.كيف نشأ هذا النظام؟.في مايو 1940 أصبح ونستون تشرشل، السياسي البريطاني المحنك والمشاغب، رئيساً لوزراء بريطانيا بعد ساعات من غزو ألمانيا لفرنسا.. ووجد بلاده مفلسة نتيجة للحرب مع ألمانيا، وباقي أوروبا محتلة من قِبَل الألمان.. وكان السبيل الوحيد لإنقاذ بريطانيا وتحرير أوروبا هو دخول الولايات المتحدة شريكاً في هذه الحرب.. وكانت هناك خطة بريطانية لذلك الأمر جرى عرضها بشكل سري على رئيس الولايات المتحدة فرانكلين روزفلت الذي (انتخب رئيساً عام 1932). وأرسل روزفلت وفداّ برئاسة مساعده، هاري هوبكنز، إلى لندن أوائل عام 1941، حيث قضى ستة أسابيع في بريطانيا لإكمال دراسة المقترحات وتحويلها إلى اتفاقيات تمهيداً للقاء كل من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني.كانت هذه بداية إنشاء عالم ما بعد الحرب. وفي شهر أغسطس من عام 1941، وبينما كانت أوروبا تعيش حربها بدون أمريكا، التقى الرئيس روزفلت، برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، على متن السفينة الحربية البريطانية (Prince Of Wales) أمير ويلز على ساحل نيوفاوند لاند بكندا، التي كانت تحت الإدارة البريطانية. وناقش الاثنان إستراتيجية الحرب، ووضعاً تصورهما المشترك لعالم ما بعد الحرب في بيان مشترك عرف فيما بعد باسم «الميثاق الأطلسي»، ووضع ذلك الميثاق؛ الأساس للنظام العالمي، بما في ذلك إزالة الاستعمار من الهند وأستراليا وجنوب إفريقيا، وباقي المستعمرات البريطانية وغير البريطانية. وجرى بعد ذلك تطوير وبناء النظام العالمي الليبرالي بما في ذلك الأمم المتحدة والناتو واتفاقية التجارة الحرة. وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للتعمير والتطوير. وتنازلت بريطانيا عن موقع عملتها (الجنيه الأسترليني) التي كانت عملة الاحتياط حتى ذلك الحين، ليصبح الدولار والذهب عملة الاحتياط لدول العالم.اليوم.. مع تداعي النظام العالمي الليبرالي الذي صنعته أمريكا بالتعاون مع بريطانيا، ما الذي سيحل محله؟، هل تتحول الدول إلى عصابات تهدد الأمن العالمي؟ أو أن هناك أملاً في استقرار عالمي (نسبياً، كما هو الحال الآن)؟.في التاسع من هذا الشهر (أبريل) نشر باحثان أمريكيان في (مركز كارنيجي) بحثاً تحت عنوان: «القوى الصاعدة ومستقبل السياسة الأمريكية». بدآه بالقول: «... مع صعود الصين، كذلك الأمر بالنسبة لعدد من القوى الصاعدة، بما فيها البرازيل، الهند، السعودية»، يشير فيه الباحثان إلى أن على أمريكا أن تأخذ بعين الاعتبار رغبة الدول الصاعدة بأن يكون لها دور في تحديد «الأجندة العالمية». وأنه لن يقف أي من هذه الدول مع أمريكا في مواجهتها للصين. «وفي ما يتعلق بأوكرانيا، فإن المصالح الاقتصادية شجعت البرازيل والهند والسعودية وتركيا المحافظة على علاقاتها مع روسيا»، حيث إن المصالح الاقتصادية تشكل دوراً رئيسياً في موقف القوى الصاعدة تجاه الصين وروسيا. ولا تقبل هذه القوى نظام العقوبات الاقتصادية، حيث تعتبرها تجاوزاً للسيادة الوطنية.ذكر الباحثان قائمة مكونة من عشر دول، وصفوها بالقوى الصاعدة في كل من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، وهي: السعودية، جنوب إفريقيا، تايلاند، تركيا، الأرجنتين، البرازيل، الهند، إندونيسيا، المكسيك، نيجيريا. ونصح الباحثان واشنطن بعدم التركيز على تحويل المجتمعات إلى النظام الليبرالي العالمي، والمشاركة والقبول بإجراء تغييرات في النظام العالمي الجديد.القوى الصاعدة، هي صانعة المستقبل، وميزتها الرئيسية هي اقتصاد قوى يمكنها من التطور، لتصبح قوة في مجالات أخرى. وسيكون عليها تحمل مسؤوليات إضافية خاصة في منطقتها، والمضي في النجاحات التي حققتها وتواصل تحقيقها.
مشاركة :