أحياناً تكون الأعوام العجاف لدى قوم هي الأعوام السمان لآخرين، وذلك على طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد. وخلال السنوات الخمس التي مضت وبقيت ظلالها الداكنة تغطي مساحات شاسعة من الواقع العربي تنامى الاستيطان في فلسطين وتضاعف الحصار، ومن كان حريصاً ويصل الليل بالنهار للحيلولة دون حد أدنى من الالتئام العربي وجد أن العرب أنفسهم بقصد أو بدون قصد ينوبون عنه في هذه المهمة. وذلك من خلال الانتحار الأهلي الذي هو نهاية المطاف للنزاعات الطائفية والمذهبية وكل ما يجري تحت عنوان ظلم ذوي القربى! ومن يتابع التصريحات السياسية والمحاضرات باللغة العبرية يجد أن هناك انتشاء يرشح من العبارات عندما يكون الموضوع هو المشهد العربي الآن. لكن بالرغم من ذلك يبقى هناك خوف من المستقبل، لأن التاريخ لن يمضي بالوتيرة ذاتها، والأجيال ليست صورة طبق الأصل من بعضها، وهناك ما يسمى مكر التاريخ أو مباغتاته والتي تفرضها المتغيرات في مختلف مجالات الحياة. والوطن العربي رغم كل ما يعج به من الكوارث وما تفتضحه التقارير والإحصاءات عن تخلف بعض أجزائه يصنف على أنه من الأوطان الشابة، لأن أكثريته الديمغرافية في سن الشباب بعكس أوروبا مثلاً التي تشكو من الشيخوخة! والمستقبل بالنسبة للعرب ليس مجرد تزايد ديمغرافي، إنه المجال الحيوي لاستثمار ممكنات هاجعة في باطن الأرض وعلى سطحها. إضافة إلى الأهمية المتصاعدة لموقعه من الناحية الجيوبولتيكية، أو ما سماه العالم الراحل د. جمال حمدان عبقرية المكان! إن أعداء العرب لا يرونهم كما هم الآن فقط، بل يدركون ما لديهم من إمكانات وأعماق، فالبعير يتماوت أحياناً ولا يصاب بالسبات فقط كما قيل عن الدب الروسي، لهذا كان تاريخ الوطن العربي من الأمثلة التي جسدت ما يسميه المؤرخ أرنولد توينبي ثنائية التحدي والاستجابة. أو ما أطلق عليه أزوالد شبنجلر في كتابه تدهور الحضارة الغربية الروح الوثابة. إن وطناً بهذه المساحة الموزعة على قارتين وبهذا التعداد الديمغرافي المرشح لتجاوز النصف مليار في المدى المنظور لا يستخف به إلا من لا يرون من برج شاهق غير سطحه!!
مشاركة :