وحدها القوانين - أميمة الخميس

  • 4/13/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يذكر ابن خلدون أن (حياة الشعوب تبدأ من البداوة، وتنتهي في الحضر، وإن الصنائع من توابع الحضارة)، بينما في المقابل الشعوب الظواعن وأهل الخيام، كالمناطق الداخلية للجزيرة العربية، أو قبائل البربر قاطني الجبال والكهوف يأنفون من الصناعة وينشغلون عنها برعي الإبل. ولعل ما يشير له ابن خلدون من غياب الصناعة والحرفية اليدوية عن أهل الوبر يرجع للطبيعة الصحراوية القاسية، الخالية من الموارد الطبيعية التي بدورها تؤسس للصناعات والاستثمار في الموارد الطبيعية وتسخيرها لخدمة الإنسان، بدليل أن العرب أنفسهم بعدما نزحوا من الطبيعة الصحراوية القائمة على اقتصاد الندرة، واستقروا جوار الأنهار والأرض الخصبة ذات الموارد الطبيعية الغنية نجدهم قد تأثروا بسكان تلك البلدان فازدهرت الصناعات الإسلامية بل مثلت منعطفا مهما في المسيرة العلمية بشكل متفوق على العالم القديم آنذاك، والساعة التي أقضت مضجع الملك الجرماني شارلمان، وظن أن بها جنّاً يعود تاريخها للقرن الثامن الميلادي. الأنثربولجيون يقسمون مسيرة الحضارة البشرية إلى عدة ثورات كل منها تمثل مرحلة انقطاع زمني عما سبقها، الثورة الزراعية التي مثلت ثورة ضد مرحلة الصيد والالتقاط، الثورة الصناعية التي انقطعت عن المرحلة الزراعية الإقطاعية لتسخر مكتشفات عقل عصر النهضة للسيطرة على البيئة عبر الآلة والكشوفات، ولننتهي في العصر الحديث الذي يسمونه عصر الثورة المعلوماتية. لكن داخل الجزيرة العربية بسبب حالة شبه انقطاع عن الحواضر الإسلامية، وتدني المستوى الاقتصادي والثقافي لفترات زمنية طويلة، توثقت علاقتهم بمرحلة الصيد والرعي والالتقاط والقيم الصحراوية القائمة على الانتماء القبلي المعزز للحروب والغزوات، وقيم الفروسية والكر والفر في مضمار الحرب. فمن يدخل مضمار الوغى والمعركة، ويحمي القبيلة ويجلب لها دخلا عبر الغزوات، أصبح يمثل طبقة اقتصادية لها امتيازاتها التي تعلو على طبقة النساء والأطفال والصناع والعبيد، وكتب التاريخ كابن الأثير والذهبي تحتشد بأخبار مواسم الحج التي كانت تتوقف نتيجة لهجمات الأعراب على قوافل الحجيج. الغزوات كونت تراتبية اجتماعية لسكان الصحراء، انتمت فيها المرأة والصناع والأطفال إلى الطبقة الهامشية الدنيا، لأنها ببساطة لم تشهد اقتسام الغنائم، عدا أنها هي نفسها قد تصبح عبئاً يحتاج إلى حماية. في وقتنا الحاضر ما كان يسمى بطولات وفروسية، أمسى وفق قوانين العصر الحالي سطوا مسلحا على ممتلكات الغير، وتهديدا لهيبة الدولة، لكن منظومة القيم الاجتماعية تبقى كامنة في النسيج الاجتماعي، ومن الصعب تجاوزها بسهولة كونها أعرافا، وتحتاج سنوات طويلة لتضمحل وليحل بدلا منها قيم تنتمي للحاضرة والتمدن. لكن ماذا لو تحولت تلك الأعراف إلى أحد معوقات التمدن والتحضر؟ يصبح هنا لابد من التصدي لها وفق الشرائع والقوانين لضبطها والحد من آثارها السلبية على المجتمع، سواء ما يتعلق بالمرأة وحقوقها من عضل وحرمان من الميراث، أو تفريق لعدم كفاءة النسب، أو ما يمارس من تفرقة عنصرية مواربة ضد شريحة اجتماعية، وأخيرا ما يتعلق بحقوق الطفل، وحمايته من العنف النفسي والجسدي وما سواهما. إن كانت بعض الممارسات والأعراف الاجتماعية التي تنتمي إلى مرحلة زمنية في طور الاضمحلال باتت تشكل امتهاناً للفرد وإشكالية للدولة، فوحدها القوانين والتشريعات المدنية من شأنها أن تضبطها قبل أن تتحول فجأة إلى خبر عالمي تتداوله الوكالات. omaimakhamis@yahoo.com لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net

مشاركة :