قد تكون مقولة: “اسأل مجرب ولا تسأل طبيب” صحيحة إلى حدٍ كبير؛ لأن التجربة كما يُقال هي خير برهان، وإن كان الأطباء تزعجهم هذه المقولة، وحينما يسمعونها من أحد مرضاهم يتركون ما في أيديهم ويلتفتون إلى المريض؛ ليقدموا له محاضرة طويلة يوضحون من خلالها أن المجرب لا يمكن أن يتساوى معهم في مجال تساقطت رموش أعينهم من كثرة ما يقرأون في الكتب، ويفحصون بالمناظير والمجاهر، ويسمعون من المحاضرات والندوات، ويشاركون في المؤتمرات، ويقدمون من البحوث والدراسات، إلا أنه مع إيماني بأهمية كل ما ذكروه آنفًا ما زلت مُصِرًا من خلال تجربتي الطويلة في مجال مرض السكري التي قد توازي مدة تخرج طبيب من كلية الطب وحصوله على أعلى مراتب الاستشارية، التقيت من خلالها بعدد كبير من الأطباء، وزرت كثيرًا من العيادات، وقرأت قراءة المهتم غير المتخصص (طبعًا) أنه تشكلت لدي تجربة خاصة لا يُستهان بها في هذا المجال، ربما يستفيد منها زملائي الذين ابتلوا بالسير إجباريًا في هذا المضمار الطويل والشاق، وأيضًا لا يمنع أن يستفيد من شاء من الأطباء المتواضعين الذين يريدون أن يأخذوا الحكمة من أفواه المجربين. وأقول: إن أهم ما يجب أن يعرفه مريض السكري هو أن حرمان نفسه من الغذاء بحجة ارتفاع نسبة السكر في الدم ليس صحيحًا على إطلاقه؛ لأن الغذاء هو الوقود الحقيقي لحيوية الجسم ونشاطه، فالجلوكوز مهم لجسم الإنسان كأهمية الوقود للمركبات، وأظهرت الدراسات أن انخفاض نسبة السكر في الدم غالبًا ما تضعف عزيمة الشخص، وتقلل من تركيزه، ناهيك أن تجعله في وضع نفسي غير مستقر، وبعض مرضى السكري قد يقسو على نفسه قسوة شديدة فيحرمها من جميع الأطعمة التي تحتوي على السكر حتى الطبيعي منه كالفواكه مثلًا، ثم في الوقت نفسه يتناول الجُرعة كاملة من أدوية السكري المصروفة له من الطبيب، وقد يتبع ذلك برنامجًا رياضيًا قاسيًا؛ كأن يمشي مسافات طويلة أو يُمارس تمارين رياضية، والمعروف علميًا أن ما يُعطى من أدوية لمريض السكري حتى الآن لا تتعدى أن تكون مُخفّضة للسكر في الدم، أو منظمة له، أو محفزة لإفراز الإنسولين، وليست علاجًا جذريًا لداء السكري؛ وإذا كان الأمر كذلك فينبغي لمريض السكري أن يُراقب حالته بعناية، فإذا لم يتغذَّ جيدًا أو فوَّت وجبة من الوجبات، أو بذل حركة قوية فينبغي له أن يُخفف في ذلك اليوم من جرعته الدوائية، وأعرف مريضًا أخذ نفس جُرعته العلاجية وهو لم يتناول الوجبة الرئيسية؛ فتعرض لانخفاض حاد كاد أن يدخله في غيبوبة لولا عناية الله وتم إسعافه بشكل سريع، والعكس صحيح لو تناول وجبة دسمة أو أفرط في تناول الحلويات ينبغي له أن يقوم بنشاط يؤدي إلى حرق هذه السكريات وألا يؤخر جرعته العلاجية عن وقتها؛ بمعنى أن يوازن بين الأكل والحركة والدواء والحالة النفسية، ومتى ما تمكن مريض السكري من ضبط هذه الجوانب كلما تمكن من التحكم في نسبة السكر لديه. وليس معنى كلامي هذا أن يكون مريض السكري طبيب نفسه كليًا، فلا بد من مراجعة الطبيب بين الحين والآخر، وعمل التحاليل التي توضح المعدل التراكمي للسكر في الدم، والمراجعة الدورية لمعرفة مدى تناسب العلاج مع ما يحدث من مستجدات في جسم الإنسان أو مستجدات في الأدوية نفسها، كما أن بعض الأدوية لها آثارها على المدى البعيد أو أنها تتعارض مع أدوية أخرى أو حالات مرضية مستجدة لدى مريض السكري، ولا يمكن أن يفتي في ذلك إلا الطبيب المتخصص في هذا الشأن. عمومًا ما أود أن أوصله لرفاقي مرضى السكري أن يخففوا من الفطام القاتل والحمية المفرطة، فطبق من الحلوى بين الحين والآخر أو كعكة صغيرة أثناء مناسبة سعيدة لن تضركم بمشيئة الله، كتب الله لنا ولكم الشفاء من كل داء.
مشاركة :