1 - الحكومة، والمجتمع، والدين هي المكونات الثلاثة الأساسية المؤثرة في الحياة العامة والمحرك لها.. والتكامل في العلاقة بينها في مجتمعات البلدان النامية لا يزال تكاملاً واهياً، وفي أحسن الأحوال لا يزال في بداياته.. فالعلاقة القائمة بينها هي أقرب إلى الاستقطاب والاحتواء والانقياد والاتباع وغيرها من صفات الإذعان للآخر.. بينما الثلاثة مكونات لها مهام مختلفة وميادين تأثير مستقلة وغايات وأهداف ووسائل محددة.. فما الذي جعل العلاقة بينها علاقة استقطاب لا تكامل وعلاقة نفور وتوجس وتوتر لا وئام وتعاون واطمئنان؟ 2 - الناشطون في الميادين الحكومية والاجتماعية والدينية يستندون في علاقاتهم مع بعضهم البعض إلى وسائل وآليات بعضها أداؤه عفوي فوري لا يزيد على أن يكون ردة فعل، وبعضها مدروس ومخطط له.. بعضها قائم على مبدأ، والآخر قائم على أهواء شخصية.. وهذه الوسائل في مجموعها غالباً تتعارض فيما بينها فتؤدي أدواراً تعطيلية أو تحريضية. 3 - العلاقة بين الأطراف الثلاثة تعتمد على وسائل اتصال تخطئ كثيراً في تحديد أهدافها وغاياتها فيتم استخدامها لأداء أدوار هدفها الوقيعة بين أطرافها.. ومن نماذج محاولة الوقيعة بين الأطراف الثلاثة محاولة إقناع (المجتمع) أن التقدم مشروط بالحد من الحضور الديني في الحياة.. أو محاولة إقناع (الحكومة) أن التنويريين تغريبيون متآمرون مدفوعون من جهات أجنبية.. أو محاولة إقناع (الديني) بأن التنويريين في المجتمع يهدفون إلى تمييع الدين وتهميشه تحضيراً لإلغائه من مفاهيم الناس وقيمهم. 4 - محاولات الوقيعة هذه خلقت مشاكل هامشية ثانوية منها الانشغال بالمعارك الجانبية وشخصنتها بدلاً من البحث عن النتائج والحلول.. فمثلاً التنويريون يدعون أنهم في تفسيرهم للأفكار والنصوص لا ينطلقون من شرنقة النص الضيقة بل من فضاء العقل المتحرر الواعي.. فيبادلهم الدينيون السجال ويؤكدون أن التحرر الذي يسعى إليه الليبراليون الهدف منه هو تمييع الدين وتسهيل الانحلال وتفكيك الترابط الأسري.. هذا التصادم صرف منهج البحث إلى النص الديني حصراً، وترك فضاءات العلوم الإنسانية الأخرى التي نحن كعرب ومسلمين في أشد الحاجة إليها. 5 - أول دعاة التنوير العرب كانوا من مشايخ الأزهر.. ولم يكن ذلك مستغرباً فقد كانت جامعة الأزهر هي الجامعة النظامية الوحيدة في عرض بلاد العرب وطولها.. فكان لا بد أن يكون أوائل دعاة التنوير من تلاميذ الأزهر ورجالاتها.. بمعنى أن دعاة التنوير لدى العرب هم علماء الدين، عكس دعاة التنوير لدى الأوروبيين الذين هم من المناوئين لرجال الدين المسيحي.. فما الذي قلب الأمر عن بداياته وأصبح رجال الدين الإسلامي مثل رجال الدين المسيحي مناوئين للتنوير؟
مشاركة :